لا يترك الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مجالا إلا ويخوض فيه، ويريد أن يقتحمه دون أن يعرف حتى ما وراءه، ولا يعرف الهدف مما يفعل بدليل ما أثاره فى مراسم جنازة البابا فرانسيس بطريقة المزاح، برغبته فى خلافة البابا الذى رحل قبل أسبوعين، وفى تصريحات للصحفيين، عندما سُئل عمن يود أن يصبح البابا الكاثوليكى المقبل، قال: أود أن أصبح بابا، سيكون هذا خيارى الأول، وأنه لن يمانع فى تولى منصب البابوية بنفسه.
ويبدو أن شطحات ترامب بلا حدود، وتصرفاته كلها خارج المعقول، يوما بعد الآخر يثير المزيد من الجدل، ويأتى بافتكاسة جديدة، على كل المستويات وفى كل المجالات، من الاستيلاء على معادن أوكرانيا الثمينة إلى محاولة تهجير سكان غزة وتحويل الاحتلال الإسرائيلى للقطاع إلى احتلال أمريكى، والرسوم الجمركية التى أشعلت الحرب التجارية، وصولا إلى ترهات مرور السفن الأمريكية فى قناتى السويس وبنما مجانا، وهذا على سبيل المثال فغيرها كثير، لسنا بصدد تسجيل كل وقائعه.
وقد كان أن البابا فرنسيس يعارض سياسات وممارسات ترامب كلها، وتبادلا الانتقادات على مدى عقد من الزمان، معظمها يتعلق بدعوة البابا للتعاطف مع المهاجرين الذين يواصل ترامب مساعيه لترحيلهم، وفى سبتمبر الماضى عندما أعلن ترامب وهاريس ترشحهما لرئاسة الولايات المتحدة، قال بابا الفاتيكان، خلال مؤتمر صحفى على متن الطائرة البابوية، يجب على المرء أن يختار الأقل شراً، من هو الأقل شراً؟
وليس من قبيل الصدفة أن يدعو الكاردينال الإيطالى جيوفانى باتيستا، الذى ترأس مراسم جنازة البابا، إلى رعاية المهاجرين وإنهاء الحروب، وهى الموضوعات السياسية التى كان فرنسيس يحرص على التركيز عليها وانتقد ترامب بسببها، وكرر باتيستا أحد أقوى انتقادات البابا للرئيس الأمريكى، بحضور ترامب نفسه بين الحشد، بدعوته إلى بناء الجسور لا الجدران.
قال الكاردينال إنه بفضل دفئه الإنسانى وإحساسه العميق بتحديات اليوم، كان البابا فرنسيس يشعر بصدق بالمخاوف والمعاناة والآمال فى هذا العصر، وكرر باتيستا انتقادات فرنسيس لترامب عام 2016 عندما كان يخوض أول انتخابات رئاسية، وقال إن آراء ترامب المتعلقة بالهجرة تعنى أنه ليس مسيحيا، من يفكر فقط فى بناء الجدران، أينما كانت، وليس فى بناء الجسور، ليس مسيحيا، هذا ليس من الدين.
ثم فى افتكاسة جديدة، واستمراراً لتصرفاته المثيرة للجدل، قبل يومين، نشر ترامب صورة لنفسه على موقع «تروث سوشيال»، تظهره مرتديا زى البابا، وأعاد البيت الأبيض نشرها عبر منصة «إكس»، وهو يرتدى اللباس الأبيض التقليدى لبابا الفاتيكان.
وأثارت الصورة ردود فعل واسعة ومتباينة بين الأوساط كافة، وجدلاً كبيرا حول دلالاتها وأهداف نشرها من قبل الرئيس الأمريكى، وتباينت المواقف، هناك من وصفها بالسخرية البريئة، ومن اعتبرها استخفافاً بالمؤسسة الدينية، فى حين رأى آخرون أنها مجرد دعابة.
أشار السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام على المجمع البابوى بإمكانية التفكير بترشيح ترامب لمنصب بابا الفاتيكان، بعد المزحة التى أثارت ضجة، وقال جراهام، كنت متحمّساً عندما سمعت أن الرئيس منفتح على فكرة أن يكون هو البابا القادم، سيكون فعلاً مرشحاً غير متوقع، أطلب من المجمع البابوى والمؤمنين الكاثوليك أن يتحلوا بعقلية منفتحة تجاه هذا الاحتمال، سيكون أول بابا يشغل منصب الرئيس، واحتمال يحمل فى طياته العديد من الإيجابيات، منتظرون للدخان الأبيض إذن.
لكن المؤتمر الكاثوليكى لولاية نيويورك، وجه انتقادات لاذعة للصورة، وذكر فى منشور على منصة «إكس»: لا يوجد شىء ذكى أو طريف فى هذه الصورة، لقد دفنّا للتوّ البابا فرنسيس الحبيب، والكرادلة على وشك الدخول فى مجمع رسمى لانتخاب خليفة جديد للقديس بطرس، لا تسخروا منا.
بالطبع ترامب قال «نكتة بايخة»، لأنه بكل السبل والمواصفات، لا يصلح لهذا المنصب الرفيع الذى يتسم من يتبوأه بالصفاء الروحى والعمل على التسامح وأن يسود السلام والأمن والإخاء العالم، بينما الرئيس الأمريكى يسبح عكس التيار ويخالف كل ذلك.