المؤرخ والاكاديمى البريطانى «نيلفيرجسون» فى مقدمة كتابة (الساحة والبرج الشبكات والسلطة من الماسونية إلى الفيسبوك) تحدث عن فكرة ودور الدولة العميقة حول العالم وهى الفكرة التى كثر تناولها بعد هزيمة ترامب فى الانتخابات الرئاسية والاحاديث التى تداولت حول دور تلك الدولة غير الظاهر للعيان فى إقصائة مثلما كان لها دور فى افساح الطريق امامة للفوز برئاسة أمريكا قادما من عالم السمسرة والعقارات وبرامج التوك شو.
فالدولة العميقة مجازية وفى حقيقتها مصالح تحتية مختبئة بين ثنايا النظام المؤسسى السياسى يديرها منتفعون هدفهم تحقيق اهدافهم والابقاء عليها بعيدة عن الانظار ولديهم القدرة على تسخير الحكومة الظاهرة لخدمة اهدافهم عبر التواطؤ والمحسوبية وتعطى الدولة الامريكية العميقة المثل الواضح لكل تلك الجماعات حول العالم هناك من يعود بتلك الدولة الى زمن تأسيس الولايات المتخدة وزمن الآباء المؤسسين وهناك رؤية معاصرة تربطها بمجمعات ولوبيات حديثة ظهرت فى النصف الثانى من القرن العشرين ويبقى مفهوم الدولة العميقة مفيد لفهم جوانب مؤسسة الامن القومى فى الولايات المتحدة وان مصادر القوة هى الامن القومى والاستخبارات وهناك تقارير تؤكد على تلقى ادارة ترامب ضربات امنية وطنية بشكل يومي.
دور الدولة العميقة ظاهر للعيان فى تغييب جون كنيدى الذى رغب فى وقف التصعيد العسكرى وفتح ابواب السلام والتنمية والتعاون امام العالم ولذا كان لابد من ان يختفى عن مشهد الحكم وكذلك ايزينهاور الذى حذر من ضخامة المؤسسة العسكرية مع صناعة اسلحة هائلة سعيا وراء نفوذ لا مبرر له لتتجاوز الميزانية مئات المليارات من الدولارات بخلاف المليارات غير المنظورة.
السؤال المشروع ما هو دور هذه الدولة العميقة فى الانتخابات الامريكية التى ستجرى فى نوفمبر المقبل
فلأول مرة فى تاريخ الانتخابات الامريكية نرى مرشحين كبيرين (ترامب 79 وبايدن 81 عاما) ويرى قطاع من هيئة الناخبين لكل منهما انهما اكبر من ان يترشحا لفترة اخرى لان لكل منهما تجربة تم اختبارها وانهما لن يتغيرا فى حال نجاح اى منهما سواء فى السياسات الداخلية أو الخارجية أو التعامل مع الشبكات غير المشروعة فالاختيار لن يكون بين رؤى متنافسة أو تقديم رؤى جديدة تتعلق بالمستقبل سواء على مستوى الداخل أو العلاقات الخارجية وفى الشرق الاقصى والاوسط والمسألة الاقتصادية والاجتماعية وذلك لأن تجربة كل من بايدن وترامب تحدد خيار المستقبل.
الغريب انه لأول مرة تجرى حملة انتخابية يتم فيه محاكمة احد المرشحين وربما هذا دعم من شعبية ترامب إلا ان الخشية من صدور حكم ضده قبل الانتخابات مما سيكون له تأثير على الانتخابات فى الوقت نفسه هناك حديث عن فساد بايدن ووجوب محاكمتة وهذا خصم من رصيد بايدن نفسه
يبدو ان اجادة التعامل مع وسائل التواصل الحديثة لتأثيرها السريع المباشر مع تراجع تأثير وسائل الاعلام التقليدية سيكون أحد الاسلحة فى هذه المعركة الانتخابية وستكون الغلبة فى هذا المضمار لترامب الذى يجيد التعامل بها.
غياب الحديث عن المستقبل لدى كل من المرشحين وتركيزهما على تخويف الناخب من المرشح الآخر فى حالة فوزة ويستخدم فى ذلك اما بحجة الخشية على الديمقراطية من الهدم والانهيار وكذلك الخوف من تصاعد عدم الامن والمرتبط بسياسات الهجرة.
نتائج هذه الانتخابات رغم حالة الاستقطاب التى تنتج عنها الا انها ستحدد الشكل الذى ستكون عليه أمريكا داخليا وخارجيا لأنها ستسفر عن الكثير من التغيرات داخل الحزبين الديمقراطى والجمهوري
فهزيمة بايدن ستضع نهاية للقيادات التقليدية ليحل محلها جيل من الشباب معظمهم من التقدميين والاقرب لليسار ويعارضون الدعم المطلق لإسرائيل فى حربها ضد غزة وهذا يتجهة بالحزب لليسار
اما هزيمة ترامب ستقود الحزب الجمهورى للعودة الى تيارة التقليدى والخوف من فوز ترامب فى نظر عتاة الحزب الجمهورى لأنه سيسيطر وتتحول شعبوية ترامب لظاهرة وحركة سياسية تبعد الخزب غن الافكار المحافظة التقليدية التى مثلت الاطار الفكرى للحزب الجمهوري.
وهنا لابد ان نسأل انفسنا عن دور الدولة العميقة فيما يحدث فى هذه المعركة غير المسبوقة فى امريكا ورغم ان البعض يعتبر الدولة العميقة فى الداخل الامريكى من قبيل التفسير بالمؤامرة الوهمية فإن عدة استطلاعات للرأى فى الاعوام الأخيرة جاءت نتيجتها مؤكدة قناعة الامريكيين بحضور الدولة العميقة بقوة فى الولايات المتحدة وفى رسم سياسات أى رئيس قادم لحكم أمريكا لتنفيذها وفقط.