فى سهرة لمجموعة من العواجيز تحدثنا عن المبادرة الرئاسية «بداية».. والتى جاءت فى وقتها تماماً.. لأن نهضة البلد لن تتم الا إذا ارتقت سلوكيات البشر.. وأصبحوا أكثر حرصاً على تحقيق هذه النهضة.. علم وعمل وإخلاص وإبداع.. وهذه صفات الرقى والتحضر.. والتى كانت بدايتها منذ آلاف السنين.. على أرضنا المباركة..
اتفقنا على أن هناك الكثير والكثير مما يجب أن يتم وينفذ.. وأن الأمر يحتاج إلى موارد ضخمة ونفس طويل.. والأهم هو تكاتف شعبى واع ومسئول.. وعمل جدى يخطط له جيداً ويدرس بعناية ويتم تنفيذه على كافة الجبهات فى تناسق ورؤية واحدة وبأسلوب منفتح وسلس وواقعى بعيداً عن المهاترات والنظم العقيمة..
سألنى أحد الحاضرين.. من أين كنت تبدأ؟ وما أهم ما يمكن أن تبدأ به؟.. الإجابة عن الجزء الأول من السؤال سهلة.. وإجابتها معروفة.. لابد أن تكون البداية موجهة إلى مراحل الطفولة والمراهقة.. هؤلاء قادرون على استيعاب الفكر المتطور.. ومن السهل التأثير فيهم إذا استخدمنا وسائل تغيير المفاهيم والسلوكيات بحرفية واتقان.. هم تماماً كما الاسفنجة.. تستوعب أن تتشرب الكثير قبل أن تتشبع.. أما من هم أكبر سنا فهم بحاجة إلى جهد أكبر ووقت أطول وموارد أوفر.. تماماً كما لو أردنا محاربة التدخين.. لابد أن نركز على حماية من لم يجرب التدخين من قبل.. ونجعله لا يجربه أبدا.. فهذا أسهل وأكثر نجاحاً من أن نجعل من يدخن بالفعل أن يقلع عنه..
أما من أين أبدأ؟.. فأنا أبدأ بالالتزام.. هذه الكلمة تندرج تحتها معان متعددة.. هى مفهوم.. وهى نهج حياة.. وعهد.. وقيمة.. ومهارة.. وارتباط.. وأسلوب للتواصل والعلاقات مع الآخرين.. ويطلق على الإنسان الملتزم الكثير من الأوصاف.. فهو جاد وجدع وأصيل وراجل وابن ناس ومخلص ومواطن صالح ويعرف ربنا.. ودوغري.. وطبعاً كلمة «كده» مع رفع ابهام اليد.. وهو الذى إذا عمل عملاً فإنه يتقنه.. هو الفلاح المصرى الأصيل أيام زمان والذى كان يبيع ويشترى بالكلمة.. وكلمته «لاتنزل الأرض» أبداً.. أيام بأن لم يكن فيها هناك أى محامى فى أى قرية مصرية.. وأيام أن كان من يكذب ينبذ فى قريته لا يصاهره أحد ولا يزوره أحد..
هنيئا للأوطان التى نهضت وارتقت وعلت بفضل شعبها الملتزم.. الأمثلة كثيرة.. وصفحات التاريخ لا تكذب والأمجاد لا تمحي.. هذه الدول أصبحت منارة للعلم والاختراع والابتكار.. وحققت الرخاء والرفاهية لشعبها. وهكذا كنا.. وهكذا نكون بإذن الله.
الالتزام هو أهم المهارات الحياتية التى يجب أن يتحلى بها الإنسان ويكتسبها فى الصغر وهو ينشأ فى بيئة صالحة ومجتمع حضارى وتعليم راق.. لا بد أن يتشرب الصغار هذا التوجه من خلال التعرف على القيم السائدة فى المجتمع وحرص من حوله على العمل الجاد والصدق والإخلاص.. وإحساسهم بالحب والمودة من كل من يتعامل معهم.. والانتماء للأسرة والمجتمع والوطن.. وتوفير الفرصة لهم من أجل المشاركة الإيجابية لما فيه صالح الغير.. وفعل الخير.. ولابد أيضاً من وجود أنظمة رادعة لكل انحراف وآلية قادرة على تنفيذها بحزم وشفافية.. تحترم من يحترمها.. وتعاقب كل من يحيد عنها..
وابتسم من سألنى «من أين كنت تبدأ؟».. وكأنه يتهكم ويقول «ده كلام مجعلص قوى»..
لا والله.. هذا هو تماما ما يجب أن نفعل.. وما كان يجب أن نفعل منذ سنوات طويلة..
وتحدثنا عن مبادرة «بداية» نفسها.. والتى نرى وكأن الكثيرين لم يفهموا هدفها الرئيسى حتى الآن.. ألا وهو الارتقاء بالخصائص الحضارية للإنسان على أرض الوطن.. لذلك نسمع عن فعاليات تتطرق إلى أمور بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم وهذا الهدف.. ومع ذلك تنسب إلى المبادرة.. وهذا ما نخشاه..