سيطرة على سعر الصرف.. نجاح فى جذب استثمارات ضخمة.. وتزايد مستمر فى الصادرات
«ابدأ».. تدعم خطة توطين الصناعة.. والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تخطط لجذب 4 مليارات دولار استثمارات هذا العام
مصر تتصدر الاقتصادات الأفريقية الأكبر حجما لأول مرة بإجمالى إنتاج تجاوز 398 مليار دولار عام 2023
من الصعب جدا الحديث عن الاقتصاد المصرى فى السنوات الأخيرة بدون فهم ماذا حدث فى مصر خلال العقد الماضى وبدون فهم تلك الظروف والملابسات سيجد الإنسان نفسه بعيدا عن الحقيقة وبعيدا عن الإنصاف..ومصر فى خلال العقد الأخير عاشت زلازل سياسية كبرى واعاصير واضطرابات اقتصادية متتالية لا يقل أثرها على مصر عن أثر أزمة اقتصادية عالمية كبرى على غيرها من الدول أو أثر حروب كبيرة.. فقد شهدت مصر فى ذلك العقد الملتهب أحداث 2011 ثم ثورة 2013 وفى النصف الأول من ذلك العقد كانت المظاهرات السياسية والوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية لا تتوقف فى أنحاء البلاد يوما واحدا !!
ونتيجة لذلك حدث اضطراب كبير فى كافة مكونات الاقتصاد المصرى وتبخر الاحتياطى النقدى من العملات الاجنبية فى البنك المركزى وهو ما تم اعادة التوازن اليه بجهد كبير على مدى سنوات طويلة.
وفى النصف الثانى من ذلك العقد كانت العمليات الإرهابية وتفجير مرافق البلاد الخدمية والإنتاجية لا يخلو منها أسبوع بسبب إرهاب جماعة الاخوان.
وتوقف تماما تقريبا مورد رئيسى من موارد البلاد وهو السياحة كما توقفت الاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية عن العمل لوضوح الصورة النهائية لتطور الأوضاع فى مصر.
ووجدت مصر نفسها بعد ثورة 03 يونيو فى تناقض مع قوى دولية كبرى كان من نتيجتها أن فرض على مصر حصار اقتصادى شبه كامل وتعرضت مصر لفخاخ مدبرة بعناية مثل حادث تفجير طائرة السياحة الروسية وهو ما أنتج سنوات طويلة من امتناع السياح الروس – وهم العدد الأكبر من السياحة الوافدة إلى مصر – عن المجيء إلى المقاصد السياحية المصرية.
بالإضافة إلى المحاولات التى لا تنتهى لتفجير العلاقات المصرية مع الكثير من الدول الصديقة وكذلك الدول العربية وخاصة الدول الأكثر وقوفا وراء مصر بعد ثورة يونيو 2013.
استطاع الاقتصاد المصرى – برغم هذا الكم الهائل من المشاكل والتعقيدات – أن يتجاوز تلك السنوات الصعبة ومع أواخر 2016 بدا أن روحا جديدة تملأ أفق الاقتصاد المصرى وبدأت خطوات جادة للبناء من خلال مشروعات قومية كبري، حيث بدأ الحديث عن زراعة ملايين الافدنة فى صحارى مصر مع بدء مشروعات كبرى مثل تبطين الترع ومجارى المياه فى مصر لتقليل الفاقد الكبير من المياه العذبة ثم بدء العمل فى مشروعات صناعية كبيرة فى قطاع النفط والبتروكيماويات وغيره من الصناعات المصرية ومشروعات فى قطاعات حيوية مثل الكهرباء والصرف الصحى وتوسعة المعمور المصرى والتخلص من مشكلة العشوائيات وانشاء مجموعة من الطرق الحديثة على طول رقعة الأرض المصرية أكبر شبكة طرق.
وتزامن ذلك مع بدء العمل على إحداث ثورة كبرى فى الريف المصرى مع مشروع «حياة كريمة» الذى يعتبر مشروعا غير مسبوق للتنمية فى الريف الذى تعرض لظلم تنموى على مدى عقود طويلة حتى جاء هذا المشروع الضخم الذى تصل استثماراته لنحو تريليون جنيه لتعويض الريف وأهله من التهميش.
لكن تلك التحولات الكبرى فى الاقتصاد المصرى مع مجيء التطورات العاصفة فى البيئة السياسية والاستراتيجية العالمية والتى بدأت مع العقد الثانى من هذا القرن وكان أبرزها مجموعة من التطورات والمتغيرات من أهمها : الإغلاق العالمى لمدة سنتين تقريبا مع أزمة فيروس كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ثم تراجع الاقتصاد الأمريكى وبدء سلسلة من الارتفاعات المتتالية فى سعر الفائدة ثم تفجر الأوضاع فى الشرق الأوسط فى الربع الاخير من العام الماضي.
وتحتاج تلك المتغيرات إلى أحاديث تفصيلية ولكن اذا قفزنا إلى ما جرى فى الاقتصاد المصرى خلال الفترة الأخيرة وما هو الأفق المتاح أمامه فسوف نجد أن السنوات العجاف تلملم أوراقها انتظارا لمستقبل أكثر أملا.
فبرغم كل المشكلات التى واجهت الاقتصاد المصرى مؤخرا – وهى مشكلات أغلبها ذات طبيعة مؤقتة – الا ان مؤشرات كثيرة تقول إن المستقبل يحمل بشائره للاقتصاد المصري.
فالاقتصاد المصرى « الحقيقى « مازال سليم البنية بالرغم من بعض التحديات ويحاول الاقتصاد المصرى لملمة مشاكله تاركا سنوات صعبة اقتصاديا وراءه ومستقبلا حقبة أكثر ازدهارا بانت ملامحها فى مجموعة من المؤشرات والقرائن وفى هذا الاطار ظهرت أمامنا المؤشرات التالية :
1- النجاح فى السيطرة على مشكلة سعر الصرف وبالتالى القضاء على السوق السوداء وهى المشكلة الرئيسية التى واجهت الاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين كانت المشكلة فى الأساس واحدة من آثار الاضطرابات فى البيئة الاقتصادية العالمية حيث التضخم العالمى الذى بدأ أواخر 2021 ثم الحرب الروسية – الأوكرانية وكان من نتيجة ذلك أن ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء إلى مستويات عالية للغاية زاد من حدتها أزمة سلاسل التوريد العالمية ثم الرفع المتكرر لأسعار الفائدة فى الولايات المتحدة وهو ما ادى إلى سحب كميات هائلة من الدولار من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر.
وبرغم كل هذه الاضطرابات المتتالية فى البيئة الاقتصادية والسياسية العالمية استطاعت مصر بجهد يستحق الإعجاب وبفكر ذكى جلب استثمارات أجنبية كان من نتيجتها التغلب على مشكلة ارقت الاقتصاد المصرى طوال سنتين صعبتين وكان أبرزها صفقة رأس الحكمة والتى غيرت المعادلة الاقتصادية تماما وحققت عائدا ضخما من السيولة الدولارية منح الحكومة فرصة كبيرة لتصحيح مسار الاقتصاد ومواجهة الأعباء المطلوب تغطيتها وفى الوقت نفسه أكدت قوة الاقتصاد المصرى وقدرته على جذب المزيد من الاستثمارات الكبري.
2- نتيجة لسياسات تقليص الاستيراد الناجحة فى مصر أعلن فى نهاية السنة الماضية أن عجز الميزان التجارى انخفض بنسبة 26.4٪ وإذا علمنا أن صادرات مصر ارتفعت إلى أرقام مبشرة للغاية – أكثر من 52 مليار دولار العام الماضى – فإن قطاع التجارة الخارجية يمكن اذا استمر على نفس معدل الأداء أن يكون الرافعة التى تصعد بالاقتصاد المصرى إلى آفاق رحبة للغاية.
ومن زاوية اخرى يجرى التفكير فى اصدار عملة رقمية بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين وتأتى خطط اصدار الجنيه الرقمى تعزيزا للتحول الرقمى فى مصر وزيادة الشمول المالى وتوسيع نطاق المدفوعات الالكترونية الفورية بين الافراد والشركات دون الحاجة للوساطة وهو ما يعنى مزيدا من الشفافية فى كل فروع الاقتصاد، كما يعنى سيطرة متزايدة على عمليات الفساد المالي.
3 – اعتلت مصر صدارة الاقتصادات الافريقية الأكبر حجما «من حيث حجم الناتج المحلى الاجمالي» لأول مرة فى تاريخها
فطبقا لتقرير صندوق النقد الدولى الذى صدر فى أكتوبر 2023 أزاحت مصر نيجيريا التى احتفظت بصدارة اقتصادات القارة لمدة تزيد على 12 عاما.
وقد سجل الاقتصاد المصرى إجمالى انتاج بلغت قيمته 398.4 مليار دولار عام 2023 بينما سجلت نيجيريا 390 مليار دولار فى نفس السنة وتبلغ نسبة الاقتصاد المصر نحو 13.9٪ من الحجم الاجمالى لاقتصاد القارة السمرة – الذى يبلغ 2.9 تريليون دولار – التى تضم أكثر من خمسين دولة.
4 – وبرغم الظروف الصعبة التى مر بها الاقتصاد المصرى خلال هذا العام – 2023 – مازالت مصر تعد الوجهة الأكثر تميزا للاستثمار فى عموم منطقة الشرق الأوسط والامثلة على ذلك كثيرة فعلى سبيل المثال – لا الحصر – فقد وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خطاب نوايا مع مجموعة بيفار الصينية لإقامة مجمع صناعى أخضر للكيماويات المتخصصة باستثمارات اجمالية تبلغ مليارى دولار كما أعلنت مجموعة كى سى جى التركية لصناعة المنسوجات ضخ 500 مليون دولار لإنشاء مصنع للغزول الخام من البتروكيماويات بهدف توفير حوالى مليار دولار من الواردات المصرية وقد أوشكت المجموعة التركية على الانتهاء من مصنعها الجديد فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على مساحة 250 ألف متر مربع.
كما أعلنت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مستقبل مصر الاستثمارى الضخم ان المنطقة الاقتصادية جذبت 3.6 مليار دولار خلال العام الماضى 2022 – 2023 وانها تستهدف جذب استثمارات أجنبية تقترب من 4 مليارات دولار العام الحالى 2023 – 2024.
وأعلنت ميديا الكتريك مصر انها سوف تستثمر 105 ملايين دولار فى مصنعها الجديد فى مدينة السادات على مساحة 022 ألف متر .
ومازالت الاستثمارات الإماراتية والسعودية فى مصر هى الأعلى فالاستثمارات الاماراتية فى مصر تبلغ 29 مليار دولار فى حين بلغ حجم استثمارات القطاع الخاص السعودى فى مصر 35 مليار دولار ومن المتوقع زيادتهما بصورة كبيرة.
وتخطط مصر لإنشاء مجمع لصناعة السيارات بمنطقة قناة السويس الاقتصادية شرق بورسعيد اذ وقعت اتفاقية لدراسة التعاون الاستراتيجى بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادى وشركة شرق بورسعيد للتنمية الرئيسية وفولكس فاجن أفريقيا وسيجذب المشروع فى مراحله الاولى نحو 240 مليون دولار وسيوفر نحو 2100 فرصة عمل مباشرة ونحو 4000 فرصة عمل غير مباشرة فى الصناعات المغذية.
والنتيجة التى نخلص إليها من كل ما سبق ان مصر – وبرغم أية ظروف – مازالت هى الوجهة المفضلة للاستثمار فى منطقة الشرق الاوسط.
٥– دخول مصر عصر الصناعة من بابه الواسع وآفاقه الرحبة وفى الصناعة والتصنيع مستقبل مصر الحقيقى والاستجابة الاهم لكل التحديات التى تواجهها وقد اعطى الرئيس السيسى اهتمامه لمبادرتين مهمتين جدا فى هذا المجال وهما مبادرة ابدأ التى حققت نجاحات غير مسبوقة فى توطين الصناعة ودعم الشباب والمصانع فى تدشين صناعات تسهم فى زيادة الإنتاج المحلى وخفض الواردات وهذا بالتزامن مع مشروع تعميق التصنيع المحلى الذى أشرفت عليه نخبة متميزة فى معهد التخطيط القومي.
ويضع الرئيس السيسى قضية التصنيع فى مصر كأولوية مطلقة خلال المرحلة الحالية انطلاقاً من تشابك قضية التصنيع مع مختلف القضايا الكبرى من ثورة صناعية رابعة وثورة تكنولوجية متسارعة واقتصاد قائم على المعرفة بما يتضمنه من إبداع وابتكار وتعليم وتدريب ذكي..
ويأتى كل ذلك مع محاولات مصر المستمرة لخلق مسارات جديدة وتحالفات عالمية أكثر متانة ..
وهو اتجاه بدأته مصر فى السنوات الماضية وتوج بانضمام مصر الى تجمع البريكس وهو التجمع الأكبر اقتصاديا فى العالم اليوم وفى آسيا البازغة ثلاث من القوى الاقتصادية الخمسة الكبار اقتصاديا على مستوى العالم .. الصين واليابان والهند وبها أكثر من نصف سكان البشرية والقوى الإنتاجية الاهم الآن فى العالم ..
وهنا يجب القول إن روابط أكثر متانة مع هذه القوى الكبرى الجديدة واجب على مصر .. روابط تشمل الاقتصاد والاستثمار والسياحة والعلم ونقل التكنولوجيا.
تلك لمحة سريعة تسندها مؤشرات وأرقام ودلائل عن حجم العمل والجهد فى مصر وعن قوة وعظم الامل فى المستقبل وهو نوع من الامل قائم على أسس حقيقية وعلمية وليس تفاؤلا بلا مبرر أو لا تسنده الوقائع.