يرى السفير محمد إدريس مندوب مصر السابق فى الأمم المتحدة أن القضية الفلسطينية تجد تأييداً كبيراً فى مناقشات الأمم المتحدة مؤكداً أن فلسطين «دولة» والدليل موافقة الأغلبية لصالح عضويتها الكاملة.. وإسرائيل هى «المحتل» وستحصل فلسطين على الاعتراف بها كدولة كاملة العضوية عاجلاً أو أجلاً فهى مسألة وقت.
أضاف فى حوار مع «الجمهورية» حول القضايا والازمات الحالية والأوضاع فى المنطقة ان حصول فلسطين على العضوية الأممية ليس أمراً مستحيلاً والاعتراف بالدولة الفلسطينية «سيحدث آجلاً أو عاجلاً».
قال السفير إدريس: اصلاح الأمم المتحدة هو عملية متعثرة أمام استخدام حق الفيتو وسببه مصالح استراتيجية لعدد من الدول.
وفيما يلى نص الحوار:
> فى ضوء الاحداث الحالية والتحركات المتعلقة بها.. هل اصبح امرا مستحيلا ان تحصل فلسطين على العضوية الكاملة داخل الأمم المتحدة ؟
>> لا يوجد مستحيل، ولو اخذنا تطور القضية الفلسطينية، سنجد ان هناك مراحل كثيرة كانت فى فترة ما مستبعدة، حصلت فلسطين على وضعية دولة غير عضو لها صفة المراقب بالأمم المتحدة، ما هو على المحك الآن هو وضعية هذه الدولة داخل الامم المتحدة، والكثير من الدول فى الأمم المتحدة «غالبية الدول» تعترف بفلسطين كدولة وتؤيد انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة.. (وهذا ما حدث أمس فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، 143 دولة وافقت على مشروع قرار قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية)، صحيح هناك عقبة أسمها مجلس الأمن ولكن هذا الامر سيحدث إن عاجلاً أو آجلا، وهذه الامور بالطبع تأخذ فترة زمنية وتحتاج تنسيق مواقف، ودفع قوى دبلوماسى وسياسى من الدول المؤيدة لهذا القرار، وعندما نشاهد ونتابع مناقشة القضايا الخاصة بفلسطين فى الامم المتحدة، نجد ان هناك تأييدا كثيرا للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.
الرفض الإسرائيلى
> لماذا هذا الرفض الاسرائيلي؟
>> هذا الرفض غير مستغرب، لان هناك «احتلالاً قائماً»، ودوافع سياسية وتصورات دينية خاصة بهذه الدولة، وبالتالى الرفض الاسرائيلى متوقع، ولكن ايضا داخل الاطار اليهودى الاعم هناك فصائل وتيارات ترى ان الامن الاسرائيلى لن يتحقق الا فى وجود تسوية سياسية، يحصل بها الشعب الفلسطينى على حقوقه، البعض يوافق على حل الدولتين والبعض لا يوافق، طبعا السياسة الاسرائيلية هى ضد حل الدولتين، ولكن هناك البعض يوافق على ذلك.
لكن لو عدنا الى الامم المتحدة فهناك مرجعيات واضحة لحل القضية الفلسطينية، تقوم على أن هناك احتلالاً هذا الاحتلال يجب ان ينتهي، وتقوم على ان هناك حقوقاً مشروعة للشعب الفلسطينى يجب ان يحصل عليها، وبالتالى مرجعيات الحل فى الامم المتحدة تبلورت على مدى الزمن، توافقت عليها الدول الاعضاء وهى موجودة وواضحة، طبعًا وضعها موضع التنفيذ هذا أمر آخر يتعلق بآليات اتخاذ القرار فى الامم المتحدة، وما يصاحبها من دور لمجلس الامن وحق الفيتو الى اخره، والتجاذبات بين الدول الكبرى والمصالح الاستراتيجية للدول الكبري، والتنافس بينها وان هذا يؤثر بالطبع على فعالية الامم المتحدة، سواء فى القضية الفلسطينية او فى قضايا اخري، التى تشهد قدرا من التجاذب والتنافس والصراع بين الدول الكبرى التى تتمتع بحق الفيتو فى مجلس الامن.
> كيف يمكن تجاوز الفيتو الامريكى من اجل تمرير قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
>> هذا يتصل ايضًا بالقضية الخاصة بموضوع اصلاح الامم المتحدة ككل، وهذه القضية مزمنة فهى مطروحة منذ انشاء الامم المتحدة، فكل عدة سنوات تطرح هذه القضية ومع كل سكرتير عام جديد تطرح هذه القضية وتطرح مبادرات وافكار، وحدث قدر من التطور على مدى الزمن، طبعا مازال موضوع اصلاح مجلس الامن هى قضية يتم البحث فيها منذ التسعينيات من القرن الماضى حتى الان، وحقيقة الامر ان هذه المفاوضات متعثرة، تتم الان فى اطار ما يسمى بالمفاوضات الحكومية بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، وهذه المفاوضات فى كل دورة للأمم المتحدة يتم عقد جولات من هذا التفاوض، لم نصل حتى الان الى نتيجة واقعية ليس بمتوقع ان نصل الى نتيجة فى الامد القريب، لان هناك مصالح استراتيجية كبرى للدول ذات العضوية الدائمة ترغب فى الحفاظ عليها، ولاترغب فى ان تحصل عليها دول اخري، وايضا حسب الاليات الحالية داخل الامم المتحدة.
إن أى تعديل او تغيير فيما هو موجود فى ميثاق الامم المتحدة يحتاج موافقة ثلثى الاعضاء على الاقل، وفى نفس الوقت بما فى ذلك ايضا موافقة الدول الخمس الدائمة فى مجلس الامن، وبالتالى الآليات لا تسمح بانه يحدث اختراق فى موضوع اصلاح مجلس الامن، لكن هناك جبهات اخرى ومنها تطوير دور الجمعية العامة للامم المتحدة، فهذا الدور تطور على مدى الزمن منذ اعتماد قرار الاتحاد من اجل السلام، الذى يعطى للجمعية العامة دورا فى قضايا السلم والامن فى حال فشل مجلس الامن فى القيام بمسئولياته.
هناك أيضًا ما تم التوافق عليه منذ عامين وهو ان الدول التى تستخدم حق الفيتو، تأتى الى الجمعية العامة لتشرح وتبرر لماذا استخدمت حق الفيتو وطبعا فى هذه الجلسة يتحدث كل الدول الاعضاء لمن يريد ان يتحدث وينتقد استخدام حق الفيتو، اذا كان فى غير موضعه وتطرح تساؤلات عن مدى استخدام حق الفيتو، فايضا اصبح هو ذو تكلفة وله تكلفة سياسية على من يستخدمه فى غير موضعه.
هناك محاولات أيضا مستمرة لتطوير دور الجمعية العامة اكثر واعطائها قوة وفعالية اكثر، والان الامم المتحدة تعد لما يسمى بقمة المستقبل، وستعقد على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة فى سبتمبر القادم، والهدف منها هو تجاوز المأزق الراهن فى ان العمل المتعدد الاطراف ممثلا فى الامم المتحدة، يواجه تحديات كبيرة وفى نفس الوقت القضايا الكبرى التى يواجهها العالم، اصبحت من غير الممكن ان يتم التعامل معها بشكل منفرد، لا تستطيع أية دولة بمفردها حتى الدول الكبرى ان تصلح ما افسده الدهر فى هذا العالم المضطرب.
فالقضايا أصبحت متعددة الابعاد ليست قضايا سياسية فقط، انما تحديات سياسية وامنية واقتصادية وبيئية وصحية وتكنولوجية، وتحديات خاصة بالارهاب وتحديات خاصة بالجريمة المنظمة، كل ذلك لا تستطيع دولة بمفردها ان تواجه هذه التحديات الكبري، ولكن لا بد ان تتعاون مع غيرها من الدول وبالتالى فالتعاون الدولى ضرورة، والعمل متعدد الاطراف لا غنى عنه، لكن المأزق هو ان هذا التعاون الدولى والعمل متعدد الاطراف اصبح اكثر صعوبة من اى وقت مضي، فالحاجة اليه هى حاجة اكثر من اى وقت مضى لكن صعوبة تحقيقه اصبحت ايضا اكثر من اى وقت مضى نتيجة فقدان الثقة وتجاذب تضارب المصالح بين الدول الكبرى والاوضاع الاستراتيجية وجيوبولتيكيا المعقدة فى العالم اليوم وبالتالى هذا التعاون اصبح محاطا بكثير من العقبات والصعوبات.
> وهل قمة المستقبل يمكن ان تقود إلى الحل أو تكون الحل؟
>> قمة المستقبل ليست هى الحل وانما محاولة لاعادة احياء تعاون دولى فعَّال، فالعالم الآن فى مفترق طرق اما ان يتعاون لمواجهة هذه التحديات، واما ان يترك هذه التحديات تفترس البشرية، وبالتالى هناك زخم طبعًا الدول صاحبة المصلحة الدول النامية، ودول الجنوب لها مصلحة وبعض الدول الغربية لها مصلحة فى ان الامم المتحدة تستمر، وان يكون لها دور فعَّال وبالتالى تجرى المفاوضات حاليا لبلورة مخرجات لقمة المستقبل وهى مفاوضات صعبة، لان هناك مصالح كثيرة ومتعارضة ومتضاربة احيانا، لكنها هى محاولة لا يتوقع انها ستحدث اختراقا كبيرا ولكنها على الاقل تحفيز ان العالم فى مفترق طرق خطر اما ان نتحرك معًا او ان نترك الامور البشرية تفترسها وتحديات كبرى سياسية وجيواستراتيجية وبيئية وصحية وتكنولوجية واقتصادية لن تكون فى صالح احد فى نهاية المطاف.
إصلاح الأمم المتحدة
> هل ترى أن هذه الخطوات لإصلاح الأمم المتحدة كافية ؟
>> لا يمكن ان نصل الى مرحلة ان تكون الجهود كافية، أو يكون الاصلاح شافيا وافيا لان هناك دائما تكون تحديات جديدة، وهى تفرض ايضا معطيات جديدة، بالإضافة الى انه هناك فى الوضع الحالى تجاذبات وتناقضات فى مصالح بين الدول الكبري، ووضع جيواستراتيجى معقد، فستظل المحاولات قائمة وسيظل الاصلاح حلما غير مكتمل لكنه ضرورى ان نواصل العمل من اجله لكنه لن يصل الى غايته الكبرى لان دائما سيكون هناك بعد ناقص وسيكون هناك شيء غير مكتمل لان الدول الــ 193 دولة فى الامم المتحدة هناك قدر من عدم التجانس وعدم توافق فى المصالح.
> المجموعة العربية بذلت جهودا كبيرة لكى تواجه تحالفاً دولياً.. بخبرتك كيف ترى الامور فى الامم المتحدة ؟
>> المجموعة العربية تحاول من خلال انتماءاتها المختلفة، هناك المجموعة العربية والمجموعة الافريقية ومجموعة عدم الانحياز ومجموعة 77 والصين ومجموعة التعاون الاسلامي، فمصر وكثير من الدول العربية اعضاء فى مجموعات مختلفة، فهناك محاولات سواء من خلال المجموعة العربية او من خلال تنسيق المواقف بين الدول العربية والمجموعات الاخرى التى تنتمى اليها هذه الدول.
الصوت العربي
> ما هو حجم الصوت العربى فى الأمم المتحدة ؟
>> هو صوت يحاول ان يكون مسموعًا، وكلما كان التنسيق بين الدول العربية اكثر، كان هذا الصوت اقوي، وكلما كان التنسيق مصحوبا بفعل لان الامر ليس فقط صوتا لكن يجب ان يكون هناك صوت وفعل، كلما كان هناك تنسيق فى المواقف بين الدول العربية، كلما كان هناك تقارب فى الرؤى وكلما كان هناك تنسيق بين الدول العربية والمجموعات الاخرى ذات الدوائر الاخرى ذات المصالح التى تتقاطع مع المجموعة العربية وتتكامل معها كان هذا التنسيق اكثر فعالية، والصوت أكثر تأثيراً ويمكن ان نقول ان هناك محاولات حثيثة مبذولة لكن مازال هناك قدر كبير مطلوب من تنسيق البيت العربى اولا حتى يكون هذا الصوت اكثر قوة وفعالية وتاثيرًا فى المحيط الدولى وامكانيات ذلك موجودة ولكن تحتاج جهداً لان نقوم به بمعنى هناك واجب يجب ان نقوم به كدول عربية وان نخلق ثقة بيننا وبين بعضنا البعض وايضا مع الدول الاخرى التى تتقارب معنا فى الرؤى والمصلحة.
> فزت بعضوية مركز الجنوب.. فما هى اهدافه ورؤيتك ؟
>> مركز الجنوب متصل بمفهوم اوسع يتعلق بالدول النامية، وما يعرف بالجنوب العالمي، بالطبع نحن نعيش فى عالم غير منصف وغير عادل، وعدم الانصاف وعدم العدالة يتزايدان نتيجة عوامل كثيرة، منها التطور والتقدم التكنولوجى الذى يحتكره البعض على حساب البعض الاخر، ومنها التطورات الخاصة بالتغيرات المناخية التى يعانى منها البعض ويتسبب فيها البعض الاخر، ومنها النظام التجارى الدولى والاقتصادى الدولى غير العادل وغير المنصف، فدول الجنوب استشعرت بأن هذا الوضع استمراره فى غير صالحنا، وتفقد للكثير اذا استمر هذا الوضع، وايضا ادركت ان هذه الدول منفردة لن تستطيع ان تحدث اى تغيير حقيقى او له جدوي، وبالتالى منذ الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، بدأت فكرة توحيد صوت دول الجنوب، فنشأت منظمة فى الستينيات، ثم فى السبعينيات نشأت مجموعة 77 والصين، ونشأت روافد كثيرة لتدعيم التعاون مع دول الجنوب، ومنها مركز الجنوب الذى هو منظمة حكومية بين مجموعة من الدول يجمعها اطار تعاهدى تعاقدي، انشئ فى عام 1995، ويضم حاليًا نحو 54 دولة من دول الجنوب المختلفة.
و «دول الجنوب»، هو مفهوم جغرافي، وايضا مفهوم هوية تنموية، بمعنى أن الدول النامية فى العالم هى جغرافيا تقع اغلبها فى جنوب العالم، سواء فى قارة افريقيا او اسيا او امريكا اللاتينية او دول الكاريبي، وبالتالى فهى جغرافيا فى الجنوب، لكن ايضا هى ما يجمعها اكثر هو انها دول نامية، ودول تستشعر بأنها فى وضع فى غير صالحة فى النظام الاقتصادى والمالى والتجارى الدولي، وبالتالى تسعى الى تعديل هذا الوضع، هذا المركز أنشئ للتنسيق وتوثيق التعاون بين دول الجنوب، فى القضايا التى تهمها، والاساس القضايا التنموية وقضايا النظام الاقتصادى الدولي، وقضايا النظام التجارى العالمى ويتصل بذلك راوفد كثيرة، منها موضوعات خاصة بالتجارة الدولية واصلاح مؤسسات التنمية الدولية، وتغير المناخ والقضايا ذات الصلة بالتنمية وجعل النظام الدولى أكثر نسقًا وعدالة.
ومصر دولة مؤسسة منذ انشاء هذا المركز، وكان لها دور قيادى فى انشاء هذا المركز الرئيس التنزانى الاسبق جوليوس نيريري، وايضا الدكتور بطرس غالى الامين العام الاسبق للامم المتحدة، وتولى الدكتور غالى رئاسة هذا المركز فى فترات سابقة.
مواجهة التحديات
> هل يمكن ان نقول ان الغرض من مركز الجنوب هو للابحاث؟
>> هو مركز ابحاث وصنع سياسات، فهو يعتبر مؤسسة بحثية او معمل افكار للدول النامية، وايضا هو يسعى الى تقديم رؤى سياسية ونصائح عملية للدول النامية فى المشكلات التى تواجهها، سواء كانت جماعية او تخص بعض الدول، و يمكن ان تلجأ للمجلس فيعاونها برؤية بحثية بورقة سياسات، وتقديم نصائح وبالتالى هو مستودع للافكار، وصنع السياسات التى تساعد الدول النامية على مواجهة التحديات الكثيرة فى عالمنا، ايضا يساعد فى العمليات التفاوضية الكبرى التى تتم سواء قضايا التنمية والتجارة وتغير المناخ، وايضا يقدم الدعم الفنى فى هذه الدول النامية فى العمليات التفاوضية الكبرى التى تجرى على المستوى الدولي.
وهذا المركز دوله الاعضاء، لهم ممثلون فى هذا المركز، وهذا المركز له مجلس ادارة من 9 اعضاء، ينتخبون من الدول الــ 54 الاعضاء بالمركز، وانا عضو فى مجلس الادارة من الــ 9 اعضاء ممثلا عن قارة افريقيا، ويرأس المركز حاليا رئيس جنوب افريقيا الاسبق ثابومبيكي، وهذا المركز يجتمع مرتين سنويا فى جنيف لتدارس الاوضاع، وللتشاور مع الدول الاعضاء فى المركز لوضع سياسات المركز و النظر فى برنامج عمل المركز خلال الفترة القادمة، واهم القضايا المطروحة واهم التحديات التى تحتاج التنسيق والتعاون بين دول المركز، وهناك فكرة التعاون جنوب جنوب، وهذه الفكرة اصبحت ذات اهمية ليست بديلة عن التعاون جنوب شمال جنوب، بالطبع هناك تعاون بين شمال جنوب ولكن هناك ايضا تعاون بين دول الجنوب تبادل الخبرات والرؤى والتجارب، فهذا المركز ايضا يدعم بين دول الجنوب، وهذا التعاون ليس بديلا عن التعاون بين الشمال والجنوب.
فى نفس الوقت انه بالطبع هناك تحديات لان دول الجنوب ليست كلها فى مراحل تنموية واحدة، فقد اصبح هناك تفاوت كبير بين دول الجنوب نفسها، وايضا كما تنسق دول الجنوب، فان دول الشمال تنسق، وهناك تحديات كبرى تتمثل فى ان القضايا تزايدت وحدتها اصبحت اكثر وطأة على دول الجنوب وعدم التفاوت الكبير بين الدول تزايد، وايضا جزء منه تزايد لان هناك تطورا تكنولوجيا وتقنيا وعلميا.
وهذا التطور توافر لدى البعض والبعض الآخر لا يستفيد منه بالقدر الكافي، وايضا دول الشمال هى ايضا تنسق بين بعضها البعض فهى من ناحية تنسق ودول الجنوب حققت تقدمات وانجازات فى فترات السبعينيات والثمانينيات، ثم ايضا دول الشمال ايضًا استدركت ان تكثف التنسيق بينها من ناحية وان تعمل ايضا على إضعاف مواقف الدول النامية من ناحية اخري، فهناك ايضا اختراق واستقطاب للدول النامية لإضعاف مواقفها وتخفيف وتيرة التعاون بينها وبالطبع فهذا يؤثر على دولنا، ولكن هذا المركز هو احد الروافد، مهم للتنسيق وتوثيق التعاون بين دول الجنوب، وتوطيد التعاون بينها لمواجهة التحديات الكبرى فى عالم اليوم.
حفظ السلام
> باعتبارك عضو فى المجموعة الاستشارية لصندوق الامم المتحدة لبناء السلام فما الهدف والرؤية وما الذى تم انجازه والتحرك داخل الأمم المتحدة ؟
>> الأمم المتحدة منظومة عمل، وهى مثلث له ثلاثة أضلاع، السلم والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الانسان، وهذه هى مجالات الانشطة الإساسية للامم المتحدة وتحت كل ضلع هناك الكثير من التفصيلات والانشطة المتعددة.
والفترة طويلة طبعا، وموضوع حفظ السلام من الانشطة البارزة فى الامم المتحدة واكثرها ميزانية، فميزانية الامم المتحدة حوالى 3,5 مليار دولار سنويا، وميزانية حفظ السلام تتجاوز 6,5 مليار دولار سنويا، وبالتالى فهى الاكثر تمويلا وانفاقا وتكلفة ليس فقط مالية لكن ايضا بشرية، لان هناك ارواحاً تفقد فى هذه العمليات والعديد من الارواح فى حفظ السلام دفعوا ثمناً كبيراً فى عمليات حفظ السلام على مدى عقود، بدأت عمليات حفظ السلام عام 1948 وكانت بدايتها مراقبة الهدنة فى سيناء عقب حرب 1948، وبالتالى فقد بدأت عقب انشاء الامم المتحدة بثلاث سنوات، واستمرت حتى الان عمليات قوية متعددة فى اماكن كثيرة شارك فيها اعداد كبيرة جدا وارواح كثيرة فقدت فيها.
وما تكشف مع الوقت ان مفهوم حفظ السلام بمعنى ارسال قوات الى مناطق الصراع، فهذا وحده لا يكفى لان هذه القوات عندما تذهب فهى مفترض ان لها مهمة مؤقتة بتوقيت وزمن محدد، لكن نتيجة ان الصراعات احيانا تأخذ طابعا ممتدا، ففترات وجود هذه القوات تطول ثم عندما تنسحب هذه القوات، تعود الامور الى ما كانت عليه من توتر وصراعات وعنف الى اخره، ثم هذه الدول التى شهدت صراعات بعد انتهاء تحقيق الصراع هى تحتاج ايضا اعادة تأهيل، والى ان تكون قادرة على ان تواصل المسيرة بنفسها، ولا تستطيع ان ترسل قوات تظل الى الابد موجودة فى مكان من اماكن الصراع، وبالتالى نشأ مفهوم بناء السلام بمعنى انه تأهيل الدول من ان تكون قادرة على مواصلة المسيرة بنفسها.
ومصر كانت مشاركة فى تفصيله وتطويره، فهناك اجندة السلام التى طرحها الامين العام الأسبق للامم المتحدة الدكتور بطرس غالى عام 1992، وتضمنت تطويرا لمفهوم حفظ السلام وايضا تضمنت طرحا لمفهوم بناء لسلام، بمعنى بناء المؤسسات والقدرات الكفيلة بتأهيل الدول على ان تواصل مسيرتها بنفسها، بدون الحاجة لقوات حفظ سلام تظل موجودة الى آماد طويلة، خاصة وانه اتضح ان هذه القوات فى اماكن كثيرة كان الاحتياج لوجودها الى عقود من الزمن، وبالتالى هذا المفهوم اكتسب دفعة عام 2005، فى الذكرى الستين لانشاء الامم المتحدة، كان هناك توجه لاعطاء زخم جديد للامم المتحدة وانشاء ميزة جديدة اى بلورة وفى عام 2005، كانت قمة فى الامم المتحدة وتم انشاء جهازين جديدين، هما مجلس حقوق الانسان ولجنة بناء السلام.
ولجنة بناء السلام اتفق على انشائها فى عام 2005، وكانت هناك عملية تفاوضية لانشاء هذه اللجنة وكيفية العضوية فيها وآليات عملها الى اخره، ومصر كانت من الدول التى اسهمت بقدر وافر فى انشاء هذه اللجنة، ووضع قواعد عملها وتطوير قواعد العمل على مدى الزمن، ومصر تمتعت بعضوية هذه اللجنة منذ انشائها حتى الان فكل الدورات كانت مصر تنتخب عضوا بها، فعندما كنت مندوبا لمصر فى الامم المتحدة ترأست هذه اللجنة عام 2021، ثم زميلى السفير اسامة عبدالخالق تواصل رئاسة هذه اللجنة، ومصر تولت دفع عمل هذه اللجنة على مدى فترات زمنية طويلة.
> وماذا عن صندوق بناء السلام وعمله؟
>> تم إنشاء لجنة بناء السلام عام ٢٠٠٥ وتم انشاء صندوق بناء السلام، و هو انشئ بقرار منفصل عنها، اللجنة انشئت بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة وقرار من مجلس الامن، وانشئ صندوق لبناء السلام لتمويل عمل هذه اللجنة، هذا الصندوق يديره السكرتير العام للامم المتحدة، ولكن حتى يكون هناك دور للدول الاعضاء فتم ايضا فى قواعد عمله الاتفاق على انشاء مجموعة استشارية لسكرتير عام الامم المتحدة، تضم 10 شخصيات يختارها السكرتير العام، وتكون ذات خبرة بهذا الموضوع، وهذه العضوية تكون لمدة عامين، وهدف هذه اللجنة معاونة السكرتير العام فى ادارة هذا الصندوق، الذى بدوره يمول عمل لجنة بناء السلام، من حيث الدول ذات الاولوية فى عمل الصندوق من حيث اجتذاب موارد اضافية للصندوق، وبالطبع موارد الصندوق محدودة مقارنة بالاحتياجات، لانه حتى فترة قريبة كان تمويل الصندوق هو تمويل طوعى من الدول الراغبة فى الاسهام، وليس تمويلا من الميزانية المقدرة للامم المتحدة، وبالتالى هناك عنصر عدم القدرة على التنبؤ لأن هذا التمويل الطوعى قد يزيد فترات وقد يقل فترات اخري، لكن لا يوجد ميزانية ثابتة مستمرة.
لكن حقيقة مؤخرا امكن الاتفاق على قدر من التمويل المستدام لهذا الصندوق، وكان لمصر دور كبير فى ذلك سواء من خلال رئاستها للجنة بناء السلام، او من خلال عضويتها المستمرة فى لجنة بناء السلام، او ايضا من خلال رئاستها للجنة الخامسة فى الامم المتحدة التى ترأسها السفير اسامة عبد الخالق لهذه الدورة، والوفد المصرى هناك كان له دور كبير فى الدفع بأن يكون هناك تمويل مستدام، وايضا المجموعة الاستشارية قامت بدور مهم فى هذا الامر، من خلال التواصل مع الدول الاعضاء فى الامم المتحدة وفى لجنة بناء السلام، والدفع بأن يتم الاتفاق على تمويل مستدام من الميزانية المقدرة للامم المتحدة، بحيث يكون هناك قدرة على التنبؤ بما هو متوفر ومتاح لدى الصندوق.