مصطلح حرب الاستنزاف أو الإنهاك دون الحسم يشير إلى نوع من الحروب يسعى من خلاله أحد أطراف المواجهة إلى تقويض القوة العسكرية للخصم عبرَ استنزافِ مقدراته وتكبيده خسائر مادية كبيرة وتدميرِ معنويات جنوده بجرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.. بدأ المصطلح فى الظهور خلال الحرب العالمية الأولى حين شنت فرنسا وبريطانيا عملية واسعة ضدَّ التحصينات الألمانية على مستوى منطقة فردين وبلدة لاسوم الواقعة شمالى فرنسا وفى الحرب العالمية الثانية أصبح مصطلح حرب الاستنزاف شائعا، فمعركة ستالين جراد التى كانت مفصلية فى رسم مسار الحرب كانت حرب استنزاف، فبعد صد الروس الجيش الألمانى عن دخول موسكو فشل فى السيطرة على حقول القمح بأوكرانيا وبات بديهيا فشلهُ فى حسم المعركة على الجبهة الشرقية ما فتح الباب على مصراعيه لحرب استنزاف.
التحدى فى حرب الاستنزاف يكون فى قدرةِ طرفى الصراع على تحملِ مواجهة غير محسومة تمتد فترة طويلة، من دون آفاق واضحة للنصر أو الهزيمة.
قبل أيام نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية مقالاً للجنرال الإسرائيلى المتقاعد، إسحاق بريك، يرى فيه أن نتنياهو أخطأ باستمراره فى الحرب، مشيراً إلى أن حرب الاستنزاف الحالية ستؤدى إلى انهيار إسرائيل وليس حماس.. الكاتب ربما ألمح إلى أن إسرائيل ليس لديها نفس طويل أو استعداد للتعامل مع حالة حرب غير محسومة كهذه قائلا أنه اجتمع مع نتنياهو ست مرات ووجد أنه يدرك جيداً أنه لا توجد إمكانية لسحق حماس سحقاً كاملاً، ومع ذلك يستمر بالقول إن إسرائيل ستواصل القتال واصفا تصريحات نتنياهو بأنها موجهة لناخبيه الدائمين، وإلى اليمينيين المتطرفين الذين يشاركونه فى الائتلاف.
استعرض اسحاق بريك أربعة مجالات محددة تؤكد كلامه كان أولها أن جنود الاحتياط، الذين يتم استدعاؤهم مراراً وتكراراً، يعانون إرهاقا شديداً، حيث لا يوجد بدلاء لهم نتيجة لتقليص ست فرق خلال العشرين سنة الماضية، ما يُنذر بخطر فقدان جيش الاحتياط خلال فترةٍ قصيرة وثانيها أن حرب الاستنزاف المستمرة منذ عام تقريباً، ستؤدى إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلى واليوم تعانى إسرائيل عجزا يتجاوز 8 ٪، ويخشى مسئولون فى وزارة المالية أن يصل العجز عام 2024 إلى 9 ٪ وثالثها أن إسرائيل أصبحت دولةٍ منبوذةٍ ومعزولةٍ بسبب هذه الحرب حتى أن أصدقاءها الأوربيين باتوا يديرون ظهورهم لها رابعها وآخرها أن حرب الاستنزاف الحالية أججت الكراهية فى الداخل الإسرائيلي، وليس من المستبعد أن تشعل حرباً أهلية.
السؤال: إذا كان الحال هكذا فى إسرائيل والحديث عن حسم هذه الحرب لصالحها مجرد وهم فى رأس نتنياهو فلماذا إذا يستمر فى الحرب ويعرقل المفاوصات وكل يوم يمر تزداد فاتورة الحرب التى يدفعها الشعب الفلسطينى من دمه؟! لم أجد إجابة أدق من أن نتنياهو مستمر على هذا النهج طالما استمر الدعم والسلاح الأمريكى فالولايات المتحدة دائما ولأسباب انتخابية تتعامل مع إسرائيل كولاية أمريكية وتمنحها كل الدعم.
بالعودة إلى حرب الاستنزاف سنجد أنها شكَّلت تاريخيا آلية حيوية للمقارعة الباردة بين الحزبين الأمريكيين الكبيرين الجمهورى والديمقراطى فى مواسم الانتخابات ولو بالتصريحات الرنانة كل حزب يريد أن يحقق مكاسب وحرب كهذه مناسبة جيدة من دون أن تكون المواجهة وجها لوجه.
أخيرا لو أرادت الولايات المتحدة إنهاء هذه الحرب فهى قادرة ولا تسألنى كيف ومتى هى وحدها تعلم ولو أبقت على رضاها بحرب الاستنزاف هذه فالعرب نفسهم طويل والموت فى رأيى خيار مريح فرائحة الموت فى غزة تفوح من كل مكان ولا يختلف الأمر إذا ما كان الموت قصفا أو مرضا أو جوعاً.