التدريبات الجوية بين مصر والصين أثارت اهتمام المراقبين حول العالم من تل أبيب حتى باريس وواشنطن.
أكد الخبراء العسكريون فى إسرائيل أن مصر تمارس ضغوطاً مباشرة على صناع السلاح فى أوروبا بضرورة تخفيض أسعار الطائرات المقاتلة.. لأن طائرات «جيه-سي10» المصنوعة فى الصين تضمن التفوق التكنولوجى والتكامل فى التسليح المتطور.. مع أنها رخيصة الثمن ولا يزيد سعر الطائرة على خمسين مليون دولار.
> فى باريس اختلفت الرؤية.. وقالت الصحف الفرنسية إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يحرص على تنويع مصادر السلاح بالنسبة لمصر لتأكيد مبدأ الاستقلال الإستراتيجى لمصر.. والحرص على توفير أعلى درجات الاستقلال التكنولوجى للقوات المسلحة المصرية.. ومع ذلك لم ترد أنباء حتى الآن عن شراء مصر لهذه النوعية من المقاتلات الصينية.
> فى واشنطن.. كان هناك اعتراف بأن المقاتلات من طراز «جيه-سي10» تعادل مقاتلات إف-16 الأمريكية.. بتكاليف مالية أقل وبدون أى قيود على التسليح.
> لكن الاستقلال الإستراتيجى للدول.. لا يقاس بالجوانب العسكرية فقط.. لأنه يمتد فى الواقع ليشمل كل جوانب الإنتاج والاقتصاد وحين نشهد افتتاح القلاع الصناعية الجديدة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.. ومناطق شرق وغرب ميناء بورسعيد وشمال شرق خليج السويس وحتى مدينة برج العرب ندرك مدى أهمية توطين الصناعات والتكنولوجيا الجديدة.. وهذه أهم الدروس الإستراتيجية للمشروعات القومية العملاقة التى أقيمت فى مصر.
معان جديدة
> الطاقات الاقتصادية للدول تقاس حالياً بمدى القوة الإنتاجية للمصانع والمزارع.. ولأول مرة يتحدثون فى واشنطن عن ضرورة الانطلاق بالقوة الإنتاجية للصناعات الأمريكية بلا حدود.. لأنها العامل الحاسم فى زيادة الصادرات ودعم الناتج القومى للدولة.. وكانت كارثة حين اكتشف الأمريكيون أن أجزاء مهمة من طائرات إف-35 الخفية الأمريكية يتم استيرادها من الصين.. ولذلك قالوا لابد من إعادة تصنيع أمريكا.. وإحياء الصناعة الأمريكية من جديد.
هكذا نكتشف أن توطين الصناعة والتكنولوجيا المتطورة.. هما القوة المحركة لاستقلال مصر الإستراتيجي.. والضمان الوحيد لاستقلال مصر التكنولوجي.
هل أدركنا الآن أهمية حرص الرئيس السيسى على إقامة علاقات إستراتيجية مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة.. ومع القوى العالمية فى أمريكا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وحتى البرازيل وأندونيسيا واليونان؟! هناك معان ومصطلحات سياسية جديدة فى القرن الحادى والعشرين.
القوى الصاعدة
> ففى هذا العالم.. وفى هذا التوقيت التاريخى الذى ينعدم فيه الإحساس بالثقة واليقين فى أى شيء.. خصوصاً ما يتعلق بمستقبل النظام العالمي.
> لذلك يلاحظ المراقبون أن القوى الإقليمية والقوى المتوسطة الصاعدة مثل مصر والسعودية وتركيا والبرازيل وأندونيسيا.. تحاول استثمار واقعها وموقعها الجيوسياسي.. وإقامة علاقات بلا حدود مع كل القوى فى العالم.. أمريكا وأوروبا واليابان والصين وروسيا.
> من الواضح أننا نتجه نحو نظام عالمى تتعدد فيه مراكز القوى والنفوذ.. بعد أن أصبحت العلاقات الدولية تقوم على الصفقات.. ولذلك نجد أن القوى الإقليمية الصاعدة تجرى وراء مصالحها الذاتية.. فى هذا العالم الذى أصبحت فيه الصراعات والحروب والأزمات هى الواقع اليومى التقليدي. وبهذا لم يعد ممكناً الاعتماد على القوى الكبري. اليوم أصبح «الاستقلال الإستراتيجي».. هو العمود الفقرى لسياسات مختلف القوى والأطراف.. والحقيقة أن النظام العالمى متعدد القوى والأطراف يوفر العديد من الفرص الكبري.. لكنه لا يخلو أيضاً من المخاطر. حقاً الفرص متاحة أمام القوى الإقليمية والقوى المتوسطة للنهوض والصعود.. بما يساعدها على تجاوز هذه الحفنة من القوى العالمية.. والمساهمة فى تشكيل السياسات الإقليمية والعالمية.
عدم الانحياز
> فى هذا التوقيت وهذا الزمن.. ربما لا يجب على القوى الصاعدة الانحياز الكامل لأى قوة عالمية.. ويقول الرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا.. إننا فى البرازيل لا يجب أن نقف فى لحظة قد نضطر فيها للانحياز.. لابد أن تحافظ البرازيل على علاقاتها بأمريكا.. ومع الصين فى إطار معادلات دبلوماسية دقيقة للتوازن وحسابات المصالح الوطنية النهائية.
ولن نقول أيهما أفضل.. حتى لو كنا نعرف الطرف الأفضل!! المرونة والتوازن.. يساعدنا على تجاوز المخاطر.
بناء القوة الاقتصادية الشاملة للدولة.. هى الأساس الذى يقوم عليه الاستقلال الإستراتيجي.. وتوطين الصناعة والتكنولوجيا.. يضمن الاستقلال التكنولوجى للدولة وهذه هى الأسس الجديدة للسيادة فى هذا القرن.
> كوكب الأرض.. هو سفينة الفضاء الوحيدة فى هذا الجزء الذى نعرفه من الكون الواسع.. وهى تسبح فى مدار ثابت فى الفضاء بدون أية محركات.. بكل من عليها من دول وشعوب.. وصراعات وأزمات وحروب.. وفوضى طاحنة.. ولا يدرك أغلب الناس أن الأرض تدور بهم حقاً فى الفضاء.. رغم أن هذا هو الواقع يومياً.. ليلاً ونهاراً.. وفى كل لحظة!!
أقذر الجرائم
> ويشهد تاريخ الصراعات والحروب فى العالم على ارتكاب جرائم حرب كبري.. ولكن لا توجد جريمة حرب فى التاريخ تعادل جريمة قيام دولة إسرائيل فى فلسطين فى 1948.
نعم.. قيام دولة إسرائيل جريمة حرب.. وبقاء دولة إسرائيل إلى اليوم جريمة حرب ممتدة.. لا تتوقف ولا تنتهي.. وتقديم الدعم الاقتصادى والعسكرى لإسرائيل جريمة حرب.. وهكذا أصبحت الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة أقبح جرائم الحرب فى التاريخ.. لكن من أقاموا دولة إسرائيل.. اعتادوا على ارتكاب أقذر جرائم الحرب.
> فى كل صباح جديد.. ترتكب إسرائيل جريمة حرب جديدة لتأكيد وجودها وبقائها.. عن طريق التوسع والغزو والاستيطان فى الضفة الغربية والقدس وغزة.. وجرائم الحرب على سوريا ولبنان. إسرائيل فى الواقع جريمة حرب. بل هى أكبر وأقذر جرائم الحرب فى التاريخ.
> إسرائيل فى هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الشرق الأوسط.. تهدد بالتوسع فى الحرب وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.. بأقذر وأبشع العمليات العسكرية بالحديد والنار.
التفاوض بالحرب
> إسرائيل تتفاوض لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن فى قطر.. بالسياسة والدبلوماسية.. مع أنها تتفاوض بالحديد والنار وبالقنابل والصواريخ مع الشعب الفلسطينى الأعزل فى قطاع غزة.. واعترف الأمريكيون مؤخراً بأن إسرائيل قصفت غزة والشعب الفلسطينى بقوة نيران رهيبة من القنابل والصواريخ تعادل اثنين من القنابل النووية!!
>> وتتصاعد الضغوط على نتنياهو فى تل أبيب لاتخاذ القرار.. إما الحرب واحتلال غزة.. أو وقف النار والإفراج عن الرهائن.. استمرار الحرب يضمن لرئيس الوزراء الإسرائيلى البقاء فى السلطة.. حتى لو تم إعدام بقية الرهائن.
> نتنياهو هو أكبر الصقور الصهاينة وأسوأهم فى تاريخ إسرائيل الملوث بالدماء وجرائم الحرب.. نتنياهو فى حالة حرب ضد قيام الدولة الفلسطينية.. وضد إيران وبرنامجها النووي.
> تل أبيب لا حديث لها الآن سوى عن تاريخ صعود نتنياهو.. والتاريخ القادم لسقوط نتنياهو. المسألة ليست أخطاء فى الحسابات.. بل جرائم حرب ودماء.
> لا حديث فى إسرائيل هذه الأيام إلا عن جولة ترامب الخليجية وتأثيرها على إسرائيل ومستقبل علاقاتها بالولايات المتحدة.. وتؤكد الصحف الإسرائيلية أن جولة الرئيس الأمريكى ترامب فى السعودية وقطر والإمارات قد ركزت على الجوانب الاقتصادية والصفقات.. لكنها تحمل معانى كبرى وسوف تترتب عليها نتائج بعيدة المدى بالنسبة لإسرائيل.
> أكدت جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن جولة ترامب كشفت أن إسرائيل ليست الحليف الوحيد لأمريكا فى الشرق الأوسط.. بل إنها ليست حتى الحليف المفضل.
الفرص.. الفرص
> إسرائيل فى الواقع تشكل عبئاً إستراتيجياً ثقيلاً على أمريكا.. بحاجة دائمة للمساعدات والأسلحة الأمريكية ولحماية الأساطيل الأمريكية.
فى حين نجد أن دول الخليج تقدم لأمريكا الفرص الاقتصادية والمالية وهذا يعنى أن إسرائيل قد لا تصبح بعد الآن مطلقة اليد فى نزواتها السياسية والعسكرية.. ومعاودة الحرب والضربات الاستباقية فى الشرق الأوسط.
> وقد واجه ترامب حقيقة واحدة عبرت عنها مصر بوضوح وهى أن فلسطين هى قضية العرب المركزية.. وبهذا أدرك ترامب أنه لا مجال لطرد الفلسطينيين من غزة.. إسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية ورفضت دفع ثمن السلام بالموافقة على قيام دولة فلسطين.
> اليوم قرار إنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن وحلم التطبيع.. لا يحتاج إلا إلى أشياء محددة. إنهاء الحرب والتحرك نحو قيام دولة فلسطين.. لكن نتنياهو فى صراع حقيقى من أجل استمرار الحرب للبقاء فى السلطة.