مصر رائدة فى صناعة الدواء منذ الحرب العالمية الثانية، امتداداً لتاريخها القديم فى التداوى منذ فجر التاريخ المتزامن مع الحضارتين السومرية والصينية القديمتين، وفى العصر الحديث.. شهدت صناعة الدواء فى مصر الآن تطوراً كبيراً حيث أصبحت سوقاً عالمية لصناعة الدواء وواكبت العصر الحديث فى تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحديثة وتطبيق المعايير الدولية لكى تنهض الصناعة بمصر.
هذا ما يؤكده د.عبدالناصر سنجاب نائب رئيس جامعة عين شمس الأسبق ومؤسس مركز اكتشاف الدواء وتطويره وعضو اللجنة الثلاثية للإشراف على النقابة العامة لصيادلة مصر.. فى حواره لـ «الجمهورية».
> ماذا عن صناعة الدواء بمصر؟
>> بعد الحرب العالمية الثانية دخلت مصر مجال صناعة الدواء على يد أبنائها ثم تطور الأمر إلى أن تكون لدينا صناعة وطنية متقدمة بجهود مصرية وشراكة أجنبية ومثال ذلك عام 1962 ثم توقيع اتفاقية مع شركة فايزر الأمريكية على أن يتم توطين صناعة الدواء لمستحضرات الشركة فى مصر وذلك عن طريق إنشاء مصنع للشركة بمصر.
ثم توالت الأعوام واكتسب المصرى الخبرة الكافية لإنشاء المصانع الوطنية فى فترة الستينيات والدليل على ذلك أنه فى حرب أكتوبر عام 1973 تم توفير الاحتياجات الدوائية لمصر ومعركتها بنسبة 84 ٪ مستحضرات وطنية مما يؤكد أن مصر دولة رائدة فى صناعة الدواء بالإضافة إلى أنها سوقاً كبيراً لاستهلاك الدواء وتوزيعه نظراً لموقعها الجغرافى المتميز ولذلك فإن صناعة الدواء إستراتيجية والاستثمار فيها له مردود اقتصادى كبير.
> ما أسباب أزمات الدواء المصرى؟
>> أولاً أدى إهمال الشركات الوطنية فى فترة من فترات العهود السابقة إلى تقلص الصناعة الوطنية المصرية مما سمح لدخول صناعات من الخارج ساهمت بقدر كبير فى احتكار صناعة الدواء من شركات غير وطنية وكذلك هجرة أصحاب الخبرات للعمل بالخارج ووجود عجز واضح فى الخبرات الوطنية فى السوق المصرية.
ونظراً لتحكم الآخر فى الصناعة أدى ذلك إلى قلة المنتج المصرى الخالص وزيادة المعروض من المنتج الخارجى مرتفع الثمن وفى عام 2017 عند تصاعد الدولار وانخفاض قيمة الجنيه المصرى هددت بعض الشركات بسحب منتجاتها ومصانعها من السوق المصرية إذا لم يتم رفع سعر الدواء بما يوازى سعره خارجياً بالإضافة إلى أن الصناعات الوطنية لم تطور نفسها وفرضت عليها مشاكل زيادة العمالة غير المدربة فى فترة احداث 2011 مما أنهك اقتصاد تلك الشركات.
ومن الأسباب التى أربكت السوق المصرية من بعد عام 2011 انخفاض سعر الجنيه المصرى مقابل الدولار بما لا يقل عن ثلاث مرات مما أدى إلى ارتفاع سعر المادة الخام وكل ملحقات الصناعة حتى أحبار الطباعة ومواد التغليف بالإضافة إلى أن التصدير من السوق المصرية للخارج كانت له أسباب جوهرية منها عدم اعتماد عدد كاف من المصانع من الهيئات والمؤسسات الدولية مثل who وFDA والتضارب فى سياسة تسعير الدواء على مدار السنوات الماضية وكذلك تعدد مسميات الصنف الواحد وعدم الدخول فى صناعة الأدوية الجديدة بالإضافة إلى دخول غير المؤهلين فى أسواق صناعة الدواء من حيث الصناعة والتسويق والتصدير.
> وما رؤيتكم لوضع حلول عاجلة لأزمات الدواء المصرى؟
>> لابد أن تتوحد جهود جميع الأطراف ممثلة فى وزارة الصحة والسكان وهيئة الدواء والوزارات المعنية والهيئات والنقابات لطرح المشكلات والأزمات الموجودة حالياً على أن يتم تشكيل لجنة عليا برعاية من الدولة لمناقشة الأسباب التى أدت إلى ذلك ووضع الحلول السريعة قريبة المدى وكذلك وضع استراتيجيات طويلة الأمد برعاية من الدولة.
بالإضافة إلى الاهتمام بالدواء المصرى وإعادة تصنيعه بالطرق التكنولوجية الحديثة لتغطية جزء من الأزمة والتصدير إلى السوق الأفريقية واستنباط صناعات حديثة متطورة نوعية يمكن صناعتها والتسويق لها.
وإنشاء مراكز بحثية متطورة فى الجامعات ومراكز البحوث بهدف حل مشاكل صناعة الدواء القائمة ومشاكل تسويقه وكذلك استثمار براءات الاختراع الموجودة وأن يكون لها أولويات فى مشروعات البحث العلمى.. نحن أمام دولة الآن تسعى للاكتفاء الذاتى وتتحرك بسرعة فى هذا الاتجاه واتخذت خطوات مهمة لكن تحتاج تكامل كل الجهود، حكومة وقطاع خاص لتحقيق هذا الهدف.