نستكمل اليوم ما بدأناه فى الأسبوع الماضى حول الإستراتيجية الوطنية للنهوض بالصناعة المصرية، ولابد أن تحكمها تشريعات واضحة لكل صناعة من الصناعات، فى ضوء ما توليه الدولة من اهتمام خاص بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
فمثلا إن الحذاء المصرى كان ينافس خلال الأربعينيات نظيره الإنجليزي، فأين نحن من هذه الصناعات وهذا يتطلب ضرورة أن يكون هناك استراتيجية واضحة لكل الصناعات.
كما أن التشريعات المنظمة للقطاع الصناعى متناثرة وغير متسقة تعوق بعضها البعض، غير أن الوزارات تعمل فى جزر منفصلة، يحكمها قرارات تصدر بوزير وتنتهى بولاية وزير، فى حين أن فلسفة النظم الحاكمة هى تحقيق التناسق والتناغم وخطة واضحة، والأمر بحتاج إلى استراتيجية الدولة لتصنيع الدواء وذلك من خلال إنشاء مدينة متكاملة، والنجاح المصرى بشهادة دولية فى علاج فيروس سي، وتجربتها خلال فيروس كورونا،يؤكد ذلك لكن بالنظر إلى القوانين الحاكمة نجد أن قانون هيئة الدواء لا يوجد به حديث عن التكليف.
كما أن قطاع الصناعة بمفهومه الشامل من أهم القطاعات فى الاقتصاد المصرى والعالمي، نظرا لقدرته على دفع عجلة الإنتاج وزيادة معدل النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى توفير فرص عمل وزيادة الناتج المحلى الإجمالي. كما أن نمو قطاع الصناعة يؤدى إلى زيادة مستوى الإنتاجية، حيث أنه من أكثر القطاعات قدرة على تطبيق استخدام التقنية والتكنولوجيا الحديثة، مما يساهم فى رفع الإنتاجية، كما يسهم فى توفير موارد النقد الأجنبى وعلاج مشاكل عجز ميزان المدفوعات.
وعلى الرغم من سعى الحكومة ممثلة فى وزارة التجارة والصناعة، والمبادرات الداعمة للمجال الصناعى وبينها «ابدأ» والتى تهدف لرفع معدلات النمو الصناعى وزيادة نسبة مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالي، إلا أن الشركات والمصانع المحلية تواجه العديد من المشكلات والتحديات فى ظل الأزمات العالمية الحالية، التى قد تعوق أهدافها المنشودة.
ومن بين التحديات غياب الربط بين مخرجات التعليم الفنى واحتياجات سوق العمل، حيث لا يوجد إعداد للعمالة الفنية لتجهيزها لسوق العمل المهني، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الطاقة، فضلا عن عدم وجود دراسات تحدد أثر سعر الطاقة على الإنتاج الصناعي، وكذلك السياسة المالية والتى تتضمن تأمينات– ضرائب– بنوك، ودورها فى دعم الصناعة.
وتلعب الصناعات الريفية فى مصر دوراً مهماً فى اقتصاديات البلاد ، ويمثل إنتاجها نسبة مهمة من مجموع الانتاج الصناعى العام . وتبلغ قيمة منتجات هذه الصناعات المليارات سنوياً ، كما يبلغ عدد المشتغلين فى هذا القطاع الحيوى أكثر من ملايين المصريين. ولما كانت لهذه الصناعات الريفية أهمية خاصة فى مرحلة التطور الاقتصادى والاجتماعى فى مصر ، رأينا ان نهتم بدورها فى تشغيل الايدى العاطلة عن العمل ، وانواعها وفئاتها ، وطابعها الشعبى ، ومشاكلها ورعاية الحكومة لها وتمويلها ، وتنشيط دور المرأة فى الانتاج وأثر كل ذلك فى رفع مستوى معيشة الاسرة الريفية. يطلق اسم الصناعات الريفية على الحرف والمهن التى يقوم بها اهالى الريف ، إما فى منازلهم او فى مكان عام يجمعهم بقريتهم ، ويستغلون خامات ريفهم فى انتاج منتجات نافعة تسد حاجات المستهلكين وتنعش الريف الذى تعيش فيه الغالبية الكبرى من السكان . والصناعات الريفية انواع منها الصناعات الغذائية او الزراعية . مثل صناعة منتجات الالبان وصناعات تجفيف الفاكهة والخضر وتعبئتها وتسكير الفواكه وتمليح الخضار وجرش العدس وتعبئته وصناعة الفريك وانتاج عسل النحل وغيره . أماالصناعات التطبيقية . تشمل صناعة النسيج اليدوى للقطن والصوف والحرير وصناعة السجاد والصناعات الجلدية كالاحذية والحقائب والجلود المزخرة وصناعة النجارة ولعب الاطفال الخشبية وصناعة الفخار والاوانى النحاسية وصناعات الخوص والقش والليف وشباك الصيد وهناك الصناعات اليدوية التى تمارسها النساء مثل الحياكة والتطريز وغيرها . أماالصناعات الكيميائبة البسيطة . وتدخل فى هذا صناعة العطور والتقطير والصابون . يطلق على بعض الصناعات الريفية اسم الصناعات البيئية ، وهى التى تنشأ فى بيئة خاصة وتتميز بطابع خاص. فنرى مثلاً ان خان الخليلى المشهور فى القاهرة قد امتاز بانتاج المنتجات اليدوية الدقيقة التى اكتسبت شهرة عالمية مثل التطعيم بالاصداف والنقش على النحاس والتطعيم بالفضة وصناعة الجلود الزخرفية ، حتى بات خان الخليلى مقصد السياح من كل أطراف العالم .
فلما تطورت الحضارة وأثارت بأضوائها المدن ، نفذ منها شعاع ضئيل الى القرية فتطور معه الانتاج الصناعى ، وشمل هذا التطور الآلات والأدوات المتعلقة بالعمل الزراعى ، وشمل كذلك صناعة الغذاء والكساء ثم توسعت هذه الصناعات وانتشرت حتى شملت البيوت وراح الريفيون يمارسونها وعلى الرغم من تطور الآلات الحديثة وتقدمها وانتشارها وسرعة إنتاجها فى الصناعة، فانها لم تستطع أن تقضى على الصناعات الريفية أو أن تقف حائلاً دون بقائها وانتشارها ويعود السبب فى ذلك إلى عوامل كثيرة، منها: سهولة ممارسة هذه الصناعات ومزاولتها إلى جانب العمل الزراعى وتسد حاجات المستهلكين من سكان الريف، كما يرغبها سكان المدن رغبة شديدة، لما تحمل فى صنعها من طابع الذوق الريفى الرائع المميز كما، أنها صناعات لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة ومعظم هذه الصناعات يعتمد على خامات ريفية وهذه متوفرة فى الريف بكثرة وبأسعار معقولة كما أن هذه الصناعات التى نشطت فى الريف تستوعب مئات الريفيين، رجالاً ونساء وأطفالاً وكافة منتجات الريف مطبوعة بطابع الفن الشعبى الذى يرغبه سكان الحضر ويميلون اليه ، نظراً لما يتمتع به الانتاج اليدوى الريفى من مميزات خاصة ، تتجلى فى دقة صنعه وروعة زخرفته وبديع نقشه . من هنا ذاعت شهرة الصناعات الريفية الحرفية ، لا فى مصر فحسب ، بل فى مختلف انحاء العالم رعاية الصناعات الريفية لا بد من القول ان الصناعات الحرفية الريفية مرت بمشاكل عديدة وكادت تندثر ، منها بدائية الادوات المستخدمة فى انتاجها والمقومات الفنية التى يفتقدها عمالها وصعوبة تسويق انتاجها ، مما جعل من العسير على هذه الصناعات ان تماشى النمو والتطور ، رغم انها تعتبر سبيلاً مهماً لتوفير العملة اللازمة وزيادة حجم الانتاج. كانت الصناعات الحديثة، تقوم دوماً على حساب الصناعات الصغيرة التى لم تستكمل كل المقومات الفنية والتسويقية التى تتمتع بها الصناعات الكبيرة والتى تعتمد على الآلات الاوتوماتيكية التى تنتج اضعاف اضعاف ما تنتجه الآلات اليدوية البدائية ، وبعدد ضئيل من العمال. وكل ذلك يتطلب ضرورة وضع استراتيجية وطنية للنهوض بكل هذه الصناعات داخل الريف.