الاستدامة على الصواب، تحقق الثبات عليه وتراكم المعرفة وتطور الحياة، فيعلو البناء.. كذلك الاستدامة فى العبادة، تنير القلب وتحفظ طهارته وتزيل ما قد علق به من شوائب وغبار الذنوب التى قد يصادفها الإنسان عفواً أو يسعى إليها قصداً.
من هنا كان قوله تعالي: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا».
الاستقامة هنا تعنى الديمومة على الصواب الذى حدده الخالق وبينه، فيكون الجزاء الماء الكثير العذب الذى هو سر الحياة ووسيلة النماء والخصب والرخاء.. لذا كان قوله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».
كما أن الاستمرارية هى آلية نقاء القلب الذى ينفى خبثه كالبحر وقد شبه رسول الله هذه الاستمرارية والديمومة التى تجلى القلب بحالة رجل يغتسل فى نهر كل يوم خمس مرات حيث سأل أصحابه قائلا: «أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟»، قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: «فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا».
إذن فإننا بعد مأدبة رمضان الروحية وما بها من تدريب على الاستقامة والترفع عن الصغائر والتخلق بالاخلاق السامية التى جاء بها ديننا، علينا أن نمسك بهذه الفرصة التى سنحت لنا ورزقنا الله إياها بأن بلغنا رمضان والإمساك بالفرصة يكون بالاستمرارية فيما تعوده كل واحد منا من عمل الخير، فمن تعود على الإنفاق فى الخير فليستمر بما كان عليه فى رمضان ومن أمسك لسانه فى رمضان حتى لا يضيع صيامه، فليستمر فى إمساكه حتى يصير هذا الإمساك خلقاً وتعوداً.. ومن تعود على قراءة القرآن الكريم بشكل منتظم كل يوم، فليستمر «إلا بذكر الله تطمئن القلوب» وهكذا.. ومن تعود على صلة رحمه، فليستمر فيما وفقه الله إليه.
وقد أثر عن الحسن البصرى أنه قال «لا يستقيم إيمان عبد مؤمن حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه امريء حتى يستقيم لسانه».
كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ المؤمنَ إذا أذنب ذنبًا كانت نُكتةٌ سوداءُ فى قلبِه»، فإن تاب ونزع واستغفر، صقَل منها.. وإن زاد، زادت حتَّى يُغلَّفَ بها قلبُه، فذلك الرَّانُ الَّذى ذكر اللهُ فى كتابِه: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ».