يجب إعادة النظر فى بعض الفتاوى الخاصة بحقوق المرأة، التى طغى فيها فقه العادات والتقاليد السائدة على أحكام الشريعة، وظلمت المرأة بسبب تأويلات غير صحيحة، وأن تقدم المجتمعات المسلمة مرهون بمدى تمكين المرأة المسلمة من حقوقها، هذا الكلام ليس لشاعر أو أديب أو فيلسوف أو مفكر، ولكنه جاء على لسان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر هذا الإمام الجليل، أراها وقفة تاريخية، وتجديد حقيقى للخطاب الدينى وإنصافاً للمرأة وحقوقها كما جاءت فى الإسلام.
الدكتور أسامة الأزهرى فى المؤتمر الدولى للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذى عقد فى القاهرة تحت عنوان «دور المرأة فى بناء الوعى الديني»، والذى اشتمل على 6 محاور أراها غاية فى الأهمية هى دور المرأة فى بناء الوعى الديني، وبناء الوعى الثقافي، ودور المرأة فى خدمة المجتمع، ودور المرأة فى بناء الأسرة وتنشئة الطفل وأرى أن هذا المحور هو الأهم على الإطلاق، وقضية الساعة، دون إغفال لأهمية باقى المحاور، لكن هذا المحور يخاطب تحديات نعيشها وصلت إلى حد التهديدات، وما كان لها أن تحدث لو تم الاهتمام بالمرأة وبناء شخصيتها خلال العقود الماضية، ثم تناول المؤتمر الدولى دور المرأة فى تعزيز التسامح وهو مرتبط بدور المرأة فى بناء الأسرة وتنشئة الطفل، ثم المحور السادس التجربة المصرية فى تمكين المرأة والتى شهدت طفرة وقفزة غير مسبوقة خلال الـ 10 سنوات الأخيرة بالواقع والدلائل، وما تعكسه جحم المسئوليات التى خولت للمرأة المصرية، وأيضا حجم الاهتمام بكافة شرائح وأطياف المجتمع.. سواء وصولها إلى منصب الوزير بنسبة غير مسبوقة فى التشكيلات الوزارية والمحافظ، واعتلاء منصة القضاء، وتولى المناصب العليا فى التعليم وكافة القطاعات فى الدولة ثم وجودها بنسبة كبيرة وغير مسبوقة فى البرلمان سواء مجلس النواب أو الشيوخ، وما يقدم من خدمات ورعاية شاملة للمرأة المصرية، طبية وتعليمية وثقافية وحماية اجتماعية.
الإسلام كرم المرأة واعتبرها نواة المجتمع الصالح، وساق نماذج عظيمة مثل السيدة مريم ابنة عمران، وآسيا امرأة فرعون، وهى نموذج للمرأة الصالحة، ثم أن من ساند ودعم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحى عليه، ونشر رسالته هى السيدة خديجة بنت خويلد، وقال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً»، واحترمها الإسلام، وصانها.
شاعر النيل حافظ إبراهيم، قال عن المرأة: «إذا اعددتها اعددت شعباً طيب الأعراق»، إذن المرأة هى أصل وسر وأساس عظمة الأمم، وتقدم ورقى الأوطان وهو لب الحديث واستطيع الربط بين أهم محاور المؤتمر الذى عقده المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهو دور المرأة فى بناء الأسرة وتنشئة الطفل وتعزيز التسامح، والحقيقة أن مصر تعرضت خلال العقود الماضية لتحديات خطيرة وصلت إلى حد التهديدات، وأحد أسبابها المهمة هو تهميش دور المرأة، وعدم الاهتمام بالقدر الكافى ببناء شخصية المرأة المصرية، وفق قواعد ومبادئ تعكس الهوية المصرية، وأيضا بناء الوعى الدينى الصحيح، والوسطي، ولو حدث ذلك لوفر الكثير من الدماء والأموال والخسائر الباهظة، مثل التطرف والتشدد والإرهاب، والزيادة السكانية المرعبة، لذلك فإن أقوى سلاح تملكه الدول هو الاستثمار الصحيح فى بناء شخصية المرأة، تعليمياً ودينياً وثقافياً وتاريخياً، لأنها النواة والأساس الذى تتشكل على أساسه شخصية الطفل أو المواطن والإنسان، لذلك فإن حق المرأة فى التعليم، واكتساب المهارات والخبرات والتبحر فى العلوم، وامتلاك الوعى الحقيقي، هو مخزون ورصيد إستراتيجى ينعكس بطبيعة الحال على شخصية الأبناء لأن المرأة أو الأم هى الأكثر التصاقاً وتأثيراً فى بناء شخصية الطفل، وهنا دور الأم هو استثمار ينعكس على أحوال وقوة واستقرار الوطن، لذلك فإنه يجب أن يكون هناك حرص وتركيز ورعاية واهتمام بكل ما يقدم للفتاة (الأم فى المستقبل) من بناء للوعى الديني، والعلمى والثقافى والتربوي، والوطني، وتعميق جذور الانتماء، وامتلاك القدرة الثقافية، من هنا فإن الحديث عن دور الأسرة فى بناء الشخصية، والتصدى للظواهر السلبية أو الكارثية أحياناً ليس مجرد عنوان نتحدث فيه عن دور الأسرة، ولكن حدثنى ماذا قدمت لتأهيل وتعليم وتثقيف الفتاة، وما لديها من مخزون فى الوعى والتربية والتاريخ، ومنظومة الأخلاق التى تنطلق من سماحة وجوهر الدين وكذلك الهوية الوطنية، فهو المشروع القومى الأكثر والأعظم ربحية لأن هذه الفتاة التى تمتلك هذا الوعى والشخصية والعلم والدين الصحيح، والرقى وتنمية الضمير والأخلاق سينعكس هذا المردود على الأبناء ويغرس فيهم الفضائل والأخلاق والوعى والوطنية، وأيضا الوعى بخطورة بعض الممارسات على الوطن مثل التعصب والتشدد والانغلاق، وكذلك كثرة الإنجاب، فإذا أردنا أن نضمن تنشئة صحيحة ومثالية للأبناء مواطنى المجتمع بعد ذلك علينا أن نستثمر فى بناء شخصية المرأة المصرية، وإذا حققنا هذا الهدف وفق برامج تنطلق من الهوية الوطنية المصرية، وصحيح وجوهر الدين، لن تجد أى أبواب مفتوحة لنشاط التطرف والتشدد، والإرهاب والتعصب، والفساد، والاحتكار والجشع والأنانية، بل سيكسب الوطن شخصيات شديدة الولاء والانتماء للوطن، متمسكة بأهداب النزاهة والتسامح والانفتاح والحوار وتقبل الآخر والوعى الحقيقى وتفويت فرصة تزييف الوعى أو الانسياق وراء الأكاذيب والشائعات أو الاتجاه لسلوكيات مثل المخدرات والإجرام بل والتفوق الدراسى والطموح والإرادة كل ذلك تستطيع أن تغرسه المرأة أو الأم المثقفة الواعية المتسلحة بصحيح الدين، شديدة الانتماء لهذا الوطن، تمتلك الرقى فى الذوق، والفن الذى تسبب فى العقود الماضية سواء فى السينما أو الدراما إلى الإساءة إليها وتحويلها إلى سلعة، واكتفى بأدوار مبتذلة مثل الراقصات والساقطات، أو إفساح المشاهد للعلاقات الزوجية فى غرف النوم بشكل فج ومفضح فى الوقت الذى استحى فيه المولى – عز وجل – من خدش هذه العلاقة من فوق سبع سماوات، ولمسنا الرقى والأدب فى الآيات القرآنية، «هن لباساً لكم وأنتم لباساً لهن»، «وقدموا لأنفسكم»، «وأتوا حرثكم أنى شئتم»، ما أعظم الأدب والرقى فى القرآن لم يخدش العلاقة، والحمد لله نعيش الآن فى هذا الوطن زمن الرقى واحترام المرأة، لذلك فإن الاستثمار فى بناء شخصية المرأة المصرية عصب الأسر والبيوت، وأساس التربية المثالية ومصنع الرجال والشرفاء، هو استثمار عبقري، يجب أن نوليه اهتماماً مضاعفاً، وحسناً فعلت وزارة الأوقاف فى تخريج واعظات، وحسناً فعلت الدولة على مدار 10 سنوات فى إيلاء الثقة والاهتمام والرعاية واحترام دور ومكانة المرأة.
تحيا مصر