رمضان.. أعظم منصة لبناء الوعى الدينى.. وتعريف الناس بالحلال والحرام.. وإيقاظ الضمائر وإصلاح النفوس
منابر تتلالأ.. ودروس وحلقات ذكر فى كل بيوت الله.. وصلاة القيام والتراويح.. انه شهر القرآن.. لذلك لماذا لا يتحول شهر رمضان إلى أكبر منصة لبناء الوعى الدينى.. والفهم الصحيح للدين والتعرف على كل ما هو حلال وحرام؟.. بمعنى ان نستغل هذا الشهر الكريم فى تربية وتنشئة وإصلاح المجتمع وإعلاء القيم والفضائل والترشيد والتراحم والتكافل وقول وشهادة الحق.. وإدراك قيمة النعمة.. نقول للناس الحق.. ان مصر كادت تضيع وتسقط وتذهب بلا رجعة.. لولا ملحمة ومعجزة قادها قائد وطنى شريف.. أليس هذا واقعاً وحقاً.. لابد ان نصرح ونجاهر به.. أليس ما نعيشه من أمن وأمان واستقرار ورخاء وتوافر لكل الأشياء والسلع نعمة تستوجب الشكر؟.. وفى ظل ما حولنا من كوارث إنسانية ومعاناة وفوضى وانفلات.. ألسنا فى حاجة إلى تغيير نظرتنا لفلسفة الصيام؟.. وألا يجب ان يتحول الشهر للطعام والملذات والسهرات.. ولكن للتطهر والتراحم والتكافل والاحساس بالآخرين وبالوعى الحقيقى.. إنه أقوى منصة لبناء الوعى الدينى والفهم بمنظور الشرع لكل قضايانا.
لا يجب أن نفرط فى شهر رمضان الكريم فهو فرصة ثمينة للجميع.. ولا يجب ان نحوله إلى مجرد التفرغ للتمتع بكل الملذات والطعام والشرب بل للتقرب إلى الله والعبادة والتطهر من الذنوب والآثام والصفح والعفوعن الناس وفتح صفحات جديدة مع النفس.. فعلينا من خلال شهر القرآن ان نعمل على استعادة أنفسنا من جديد نملأ الفراغات التى تركت بداخلنا بالصدق والشفافية مع الله والتوبة الصادقة.. ان نزرع الأرض البور بداخلنا بالإيمان والاطمئنان والصفاء والندم والسلام وطلب العفو من الناس.. فربما تأخذنا الأيام والانشغال وننسى أننا قد أسأنا لأحد أو استقوينا على ضعيف.. أو ظلمنا بريئاً أو تفاخرنا على محروم.. أو شعرنا أننا شيء أمام قدرة الله وفى ملكوته لا يجب أن نهدر هذه الفرصة التى لا تأتى إلا كل عام.. نعم شهر رمضان فرصة عظيمة وثمينة لا يجب أن نضيعها فى عبث ونوم وسهر ولهو وأزمات ومشاكل.. بل نتفرغ لنغير أنفسنا وزيادة رصيدنا من الإيمان.. وأن نبكى على ما فاتنا وما ارتكبته أيدينا.. وان نبدى الندم والتوبة على ما اقترفناه ونتوسل لرب غفور رحيم.. فهو غافر الذنب وقابل التوب وشهر القرآن أيضاً فرصة لتغيير أنفسنا إلى الأفضل.
رمضان فرصة عظيمة على كافة المستويات للإنسان نفسه وأيضاً المجتمع والدولة.. لكن على اعتبار انه شهر فارق والأكثر أهمية وهو شهر القرآن والتدبر والتطهر والتوبة والإحسان والعطاء.. يمكن ان نحقق أهدافاً وثماراً كثيرة نقوِّم بها أنفسنا ومجتمعاتنا.. لذلك يجب ان يكون شهر رمضان هذا العام هو منصة قوية لتصحيح الأفكار والتنشئة والتربية وبناء الوعى الدينى الصحيح.. خاصة فى كل ما يواجه هذه الأمة من قضايا ومظاهر وظواهر.. تمثل أهمية كبيرة لنا وترتبط بحياتنا.. فإذا كان شهر رمضان هو شهر الذكر والأحاديث وقراءة القرآن والدروس وحلقات الفقه علينا أن نحوله إلى منصة لتوعية الناس بالحلال والحرام لإيقاظ ضمائرهم.. وبناء العلم والوعى والفهم بداخلهم.. خاصة فى ظل الأزمات المتلاحقة وتداعياتها المؤلمة وما نتج عنها من ظواهر غريبة على مجتمعاتنا من أنانية وانتهازية ومغالاة واحتكار وجشع وتخزين وإخفاء للسلع ورفع فى الأسعار والناس تفعل ذلك دون ضمير أو دراية بأنه حرام.. وأمور تغضب المولي- عز وجل- لذلك تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الاحتفال بيوم الشهيد عن أهمية حديث أئمة الدين فى مثل هذه الأمور والخوف على الأوطان وألا نعطى أو ندير ظهرنا لوطننا.. وعن محاولات العبث فى سلام و استقرار واقتصاد الوطن سواء كما كانوا يفعلون فى سوق العملات الأجنبية والمضاربات وتحويل الدولار إلى سلعة للاتجار فيها.. وخلق السوق السوداء والموازية والتلاعب فى أسعار وتوافر السلع الأساسية.. كل ذلك كان يستوجب حملة يقودها رجال وأئمة الدين لتوضح الأمور ووضع النقاط على الحروف والتأكيد على أن كل ما يجرى حرام.. وان ما يتحصل عليه التجار الجشعون والمحتكرون من أرباح ومكاسب بسبب الجشع والاحتكار هو حرام وسحت ويغضب المولي- عز وجل- ويدخل النار.
ربما كان شهر رمضان هو شهر العبادة والصوم والصلاة والتقرب إلى الله.. لماذا لا نحول دروسنا وعظاتنا وخطاباتنا وخطبنا وحلقات الذكر وبرامجنا الدينية والأحاديث والدروس فى المساجد الكبرى والصغرى إلى منصات للوعى نشرح فيها للناس أمورهم نبين لهم الحلال من الحرام نوضح لهم حقائق الأمور.. نتحدث بعلم وفهم عن أبعاد وتداعيات وأسباب الأزمات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على الدول الأخرى مثل مصر.. ودور المواطنين فيها من تاجر أو مستهلك.. لذلك من المهم أن نبنى وعياً شاملاً ودينياً قاطعاً يعرف الناس أمور دينهم ويبنى بداخلهم ضميراً دينياً وأخلاقياً وتربية وتنشئة دينية.. ونغرس فيهم التقوى ومخافة الله.
بعض الناس للأسف يخلطون بين مفهوم الحديث عن قضايا المجتمع والدولة والاقتصاد ويعتبرونها خلطاً بين (الدين والسياسة) وهذا غير صحيح فبناء الوعى الشامل الدينى والاقتصادى والاجتماعى لا يعنى أبداً سياسة أو الدعوة والترويج لحزب فالحفاظ على وعى المجتمع وفهمه يقينا من ركائز الوجود والبقاء ومقومات الأمن القومى ولا يجب ان نترك وسيلة أو منصة لبناء الوعى فى ظل الحروب الشرسة والمستمرة على عقول الشعوب ومحاولات تجريف هويتها وتزييف وعيها ودفعها إلى التدمير والتخريب وإسقاط دولها.. ولا أدرى لماذا لا يتحدث الأئمة فى مثل هذه الأمور التى لا تمثل حزباً وليست سياسة على الاطلاق.. انها أمور الناس وقضاياهم وبناء الوعى يحافظ على الوطن والمواطن وترسيخ الفهم هو مصلحة أساسية تصب فى صالح الإنسان.. لذلك أيها الأئمة والعلماء لا تضيعوا شهر رمضان فى الحديث فى قضايا لا تسمن ولا تغنى من جوع.. لا تشعرونا انكم من كوكب آخر.. تحدثوا بلغة وهموم وشواغل الناس.. ارصدوا ما يدور على أرض الواقع جيداً.. وتحدثوا للناس بالدين والقرآن والسنة والأدلة من الشريعة.. لا تتركوا الناس أسرى الأنانية والانتهازية والجشع والملذات ولا تتركوهم أسرى لمحاولات قوى الشر لتزييف وعيهم واضعاف ولائهم وانتمائهم وتقريبهم إلى الشيطان.
تحدثوا للناس وقولوا شهادة حق ذكروهم بالأيام السوداء والنكبات التى حدثت فى مصر فى 2011 وعهد الإخوان وكيف ضاع الأمن والاستقرار وانتشر الرعب والهلع والخوف والفزع.. وهاجر الاطمئنان وكيف انتشر الفقر والعوز وترسخت الأزمات والتحديات وغاب الأمن وفقدنا الحماس.. حدثوا الناس عن سنوات الخراب والدمار التى شهدتها مصر قبل الرئيس السيسى.. وكيف أصبحت مصر خلال الـ10 سنوات الأخيرة واحة للأمن والأمان والاستقرار والبناء والتنمية والفرص والخير قادم والاستثمارات التى تتدفق والأمل والتفاؤل والاهتمام ببناء الإنسان وتوفير الحياة الكريمة لهم وأسأل هنا أئمة ورجال الدين أليست هذه شهادة حق؟.. أليس من الدين ان نقولها بأمانة؟.. أليس من الدين ألا نخاف فى الحق لومة لائم؟.. لماذا نخاف من قول الحق.. لماذا يتسلح البعض بالحياد رغم انه إذا تعلق بالوطن هو الخيانة بعينها.. فلا حياد مع الوطن.
الحقيقة ان شهر رمضان أيضاً ليس فرصة للإسراف فى الطعام والشراب وكثرة الشراء واكتناز السلع والملذات والذهاب والانفاق بالآلاف على شراء السلع والحلويات والأطعمة.. لابد ان يكون ذلك.. وهنا عن المقتدرين أتحدث فى حدود المعقول والمنطقى والذى أمرنا به الدين.. لا يجب ان نقوم بعد الإفطار بإلقاء أكثر من 50٪ من الطعام فى صناديق القمامة.. علينا ان نأكل ونشرب ونشترى بالقدر الكافى والمعقول حتى لا نضغط على السلع والأسواق أولاً.. وأيضاً لأنه شهر الصيام والتكافل والرحمة.. لذلك علينا ألا ننسى الفقراء ونفتح أبواب التراحم والتكافل والعطاء ونعطى حق المولى- عز وجل- فالمفترض ان يشعرنا صيامنا بمشاعر المحرومين وغير القادرين.. تلك هى الفلسفة الأساسية.. لذلك لا يجب ان يتحول شهر رمضان لشهر الطعام والشراب والملذات والمكسرات والسهر والكافيهات.. ولكن شهر التطهر والتقرب إلى الله والتعبد وقراءة القرآن وإصلاح الأحوال والعلاقات والوصول إلى مرحلة الصفاء والنقاء وبناء الوعى الدينى الصحيح والعمل على استقرار المجتمع.. لكن الخطورة أن يتحول إلى شهر المقاهى والتفاخر والمتع الفائتة.. والتمتع الحلال بالنعم ليس حراماً على الإطلاق ولكن الاعتدال والترشيد مطلوبان.
لذلك أقول ونحن فى البدايات علينا ألا نفوت الفرصة ونضيع شهراً عظيماً كريماً فى أمور لا علاقة لها بالشهر الكريم.. ولكن علينا ان نستغل الفرصة فى الاستزادة بالعلم والوعى وقراءة القرآن والصلاة والقيام والاستغفار والذكر والفهم والتراحم والتكافل والعمل.. فرمضان ليس شهر النوم والطعام والسهر واللهو واللعب بل هو فرصة ثمينة.
شهر رمضان الكريم هو أعظم منصة لبناء الوعى الدينى وايقاظ الضمائر والتعرف على ما هو حلال وحرام.. لذلك علينا ان نختار قائمة طويلة لقضايانا واهتماماتنا وشواغلنا وتحدياتنا وأبرز الظواهر السلبية التى يعانى منها مجتمعنا.. ونضعها تحت ميكروسكوب الدين ونخرج بدروس وآراء وثوابت تجعلنا أمام وعى حقيقى وبوصلة تدفعنا نحو الطريق الصحيح والقويم وهذا دور العلماء الأجلاء والأئمة الفاضلين الذين هم مطالبون بعدم التقليدية والنمطية.