ما بين خيارين تدور دائمًا حياة الإنسان، ولأنه خلق مخيرًا وليس مسيرًا فهو الذي يحدد مصيره وفق اختياراته، إن أحسن الاختيار نجح وإن أساء خسر وندم، والمشكلة ليست في الاختيار الشخصي، فكل إنسان يتحمل نتيجة اختياراته، لكن المشكلة عندما يكون الاختيار يخص مصير بلد، لأن سوء الاختيار وقتها سيدفع ثمنه شعب كامل، ومنطقتنا تعيش منذ 13 عامًا تقريبًا حالة اختيار صعبة، وقد دخلت الآن مرحلة جديدة أشد صعوبة، مما يفرض على الشعوب العربية حسن الاختيار ما بين تناقضات واضحة.
- الخراب والدمار أم الأمن والاستقرار..
- الأسعار المرتفعة والدولة تقاتل من أجل تخفيضها أم النقص الحاد في السلع..
- تحمل التعب بعض الشيء وعدم الانجراف وراء جماعات الفتنة أم النزوح بحثًا عن بديل الوطن مهدم..
- وجود جيش وطني يحمى الشعب أم ميليشيات تتحكم وتفرض ما تريده..
- شرطة تؤمن الناس.. أم فوضى تسيطر؟
- استكمال بناء الدولة أو تركها لتصبح عرضة للخطر..
- أن يحمى الشعب دولته بالدفاع عنها وعدم التفريط في تماسكها أم الاعتماد على دعم الخارج.
- الاحتماء بالوطن أم الاستقواء بالآخرين
- الانتماء للدولة الوطنية أم لجماعة وطائفة ومذهب على حساب الدولة..
- الحوار ثم الصدام..
- الاستقلال أم التبعية
- هل في النهاية اختيارات وعلى كل شعب أن يختار.
ونحن كمصريين وكجزء من المنطقة نواجه الاختيار بشكل أصعب لأن التحدى أكبر والحـرب علينا أشد وعلينا أن نختار بإرادتنا.. لأننا من سنتحمل نتيجة الاختيار.
خلال السنوات الماضية أثبتنا أن اختيارنا الجماعي هو وطننا وإعادة بنائه والتمسك بجيشنا ومؤسساتنا الوطنية واستقلال قرارنا والالتفاف حول قيادتنا الوطنية التي اخترناها وتتحمل مسئولية التعبير عنا وتحقيق أحلامنا، ولاننا أحسنا الاختيار فقد نجحنا في حماية بلدنا من مصير كارثي كان ينتظره وعبرنا أزمات وعقبات عديدة.
الآن تتجدد حالة الاختيار مع ما يجرى حولنا وما نتعرض له من مخططات لا يخفى على أحد من يديرونها ولا أهدافها.
الاختيار الآن أصبح هو القرار، ولكن علينا قبل الاختيار أن ننظر حولنا ماذا فعلت الاختيارات بأهلها، وكيف تحمل كل شعب ثمن اختياراته.
من اختاروا الانسياق وراء أكاذيب المدعين ودعوات التغيير «الوهمية» ونغمات «الدنيا هاتيقي أحلى» هم الآن من يبحثون عن وهم «الأحلى» وسط الكوابيس ويفتشون عن الاستقرار بين ركام الدمار، بل يبحثون عن الوطن نفسه لانه لم يعد موجودًا فعليًا.
أما من اختاروا البناء وتحملوا بعض المعاناة يحصدون الآن تطورًا وأمنًا واستقرارًا ومعيشة أفضل ومستوى حياة متقدمًا، وأمامنا نماذج عديدة لنتيجة حسن أو سوء الاختيار وماذا فعلت بشعوبها.
ألمانيا التي اختار شعبها أن يتحمل في سبيل بنائها بعد دمار الحرب العالمية يحصدون الآن دولة صناعية عظمى وقوة اقتصادية ضخمة.
واليابان التي كانت في طريق الانهيار لكن شعبها تحمل من أجل بنائها هي الآن كوكب آخر على وجه الأرض.
ودول جنوب شرق آسيا نموذج آخر للبناء والتعمير والتنمية، بينما من اختاروا الانسياق وراء الشعارات الوهمية والإصلاح الثوري الخادع والفوضى الخلاقة الكاذبة، فهم الآن من يبكون بدلًا من الدموع دمًا لأنهم غرقوا في الفوضى وسقطوا في وهم الإصلاح الذي لا يأتي بل مازالوا يبحثون عن الوطن الآمن دون جدوى، ويكفينا ما نراه في بعض الدول الشقيقة.
هذه مرآة الاختيار التي يجب أن ننظر إليها، مثلما يجب أن ندرك أن لصوص الدول يتواجدون على النواصي ينتظرون انتهاز أى فرصة للقفز وتحقيق مصالحهم، هؤلاء لا يعرفون مطالب الشعوب ولا حقوق المواطنين ولا استقرار الدول بل يديرونها بمنطق التمكين والتقسيم، يطلقون الشعارات البراقة والوعود الوردية لخداع الشعوب حتى يسقطوا دولهم وبعدها تنتهى مهمة الشعب لتبدأ معاناته وصرخاته التي لا يسمعها أحد، وليس هناك نموذج لهذا أوضح من الجماعة الإرهابية التي حكمت مصر عامًا كاملًا ليس لصالح شعبها وإنما لصالح مشروع دولي كل ما يخص مصر منه تقسيمها وادخالها كجزء من خلافة مزعومة شريعتها المخطط الأمريكي في المنطقة ودستورها تأمين إسرائيل.
يقينا كلنا كمصريين نعلم هذا جيدًا وندرك خطورة هذه الجماعة وما تنادي به وما تدعو إليه، مثلما نعرف كارثية السيناريوهات المرسومة للمنطقة ولمصر تحديدًا ويحاولون تنفيذها بكل السبل لكن صلاية الدولة وشعبها وجيشها وقيادتها هي حجر العثرة أمامهم.
يقينًا أيضًا كلنا نرفض تمامًا أن ننجرف وراء هذا المخطط لنضيع ما حققناه خلال عشر سنوات من البناء العظيم بجهد وتعب بل نريد أن نستكمل البناء، فالوعي الشعبي واحد من من ميزات الشخصية المصرية.
لكن ليس هناك أبدًا ما يمنع أن نذكر أنفسنا بما تعرضنا له من مخاطر ما بين 2011 وحتى 2013 وكيف كانت مصر في طريق الانهيار الكامل، فقدت كل شيء من أسس الدولة القوية، ولولا المؤسسة العسكرية الوطنية لضاعت وكادت تصبح تابعة لعواصم أخرى تعطى الأوامر والتكليفات.
التذكير بكل هذا مهم والتأكيد عليه ضرورة لأنه كما قال عبقري الأدب المصرى نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان»، وخلال السنوات الاثنتى عشرة الماضية ظهرت أجيال جديدة ريما لا تعرف جرائم جماعة الإخوان فى حق الوطن وإرهابهم ضد المصريين، لأن هذه الأجيال لم تعاصر ما فعلته هذه الجماعة الخائنة في مصر، وهؤلاء الشباب للأسف عرضة للخداع ولابد أن نحصنهم بالوعي والتذكير الجماعي بما فعلته الجماعة الإرهابية.
لا خلاف على حق المعارضة الوطنية في إبداء رأيها والاختلاف بل والرفض لبعض التوجهات طالما أنها تهدف لمصلحة الوطن، ولا جدال في أن كل مواطن لابد أن يكون له موقف أو يريد التغيير، لكن ليس الطريق لهذا هو أن نكون أدوات تخريب في يد الجماعة الإرهابية أو وكلاء الدمار في المنطقة.
المعارضة في مصر لها طرق مشروعة وأدوات انتخابية ومن يريد ان يمارس حقه فالطريق مفتوح أمامه وفقًا لقواعد وطنية يتم ترسيخها يومًا بعد الآخر، ولا أحد ينكر أنه كما كان هناك إعادة بناء للدولة على المستوى الاقتصادي والبنية التحتية والمشروعات العملاقة، فهناك بناء أيضا على المستوى السياسي والحقوق والحريات، وكل يوم يشهد هذا المستوى إضافة مكاسب جديدة مثل ما حققته الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وما قدمه الحوار الوطني من أفكار، تم تنفيذها وآخرها ما تقره تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الجديدة التي منحت الحريات سياجًا حاميًا صلبًا يتماشى مع مبادئ الجمهورية الجديدة.
الخلاصة أننا الآن نعيش من جديد اختبار الاختيار، وعلينا أن نؤكد مجددًا أن اختيارنا هو وطننا وحمايته ضد المخططات الهدامة لأن الفترة القادمة أصعب بكثير.