الاحتلال أو ما يسمونه الاستعمار، ربما يتبادر إلى الأذهان أن الاستعمار من حيث الأصل اللغوى هو طلب الإعمار أو التعمير، هذا المفهوم استخدمته الدول الغربية لتقديم مبرر لتوسعها على حساب أراضى الدول المتخلفة، فى محاولة لدغدغة مشاعرهم وتسهيل احتلال اراضيهم بحجة أنهم يعيشون فى بلدان فى غاية التخلف وتحتاج إلى من ينتشلها من ذلك الوضع المزرى ويغير أحوالها، وهكذا انطلت الحيلة على شعوب لا تعانى من التخلف الاقتصادى والعلمى فقط، وإنما تعيش أزمة مركبة من التخلف الفكرى والسياسى والاقتصادى وحتى العقلي، وفى النهاية تبين أن ذلك الاستعمار لم يكن إلا لمزيد من السيطرة ونهب الثروات والامساك بالممرات الملاحية الدولية وتنشيط تجارة البلدان الاستعمارية بعد حصولها على المواد الخام من البلدان المحتلة، أما هذا المفهوم اللُغَوى للاستعمار فى حال الاستعمار العقائدي، فإنه فى واقع الحال متناقض بل متصادم تماما حتى مع المفهوم الأخير.
لكن الجدير بالذكر هنا والمقصود من هذه المقالة هو تصحيح المفاهيم والمصطلحات ، فلا تفرح بالشعارات الرنانة والمزيفة ، وعدم اخذ الأمور بسطحية ، فالشيطان غالبا ما يكمن فى التفاصيل
فالغرب حاول ويحاول وسيظل يحاول جاهدا وبكل ادواته للقضاء على الهوية وانتزاع العقيدة رويدا رويدا
فما نشاهده اليوم من الجرائم التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى من إبادة جماعية لا يجهلها وينكرها إلا فاقد بصر وبصيرة ، ومع ذلك تنكر إسرائيل كعادتها أنها تقوم بقتل وتهجير قسرى للسكان الأصليين ، لكن لا عتاب عليها ، فما تقوم به ، قام به كفيلها الأمريكى من قبل فى الهنود الحمر السكان الأصليين الذين قامت الولايات المتحدة على جماجم سكانها الأصليين من الهنود الحمر.
أين المجتمع الدولى الذى أخذ على عاتقة فى تأسيسه عدم وجود فاشية مرة أخرى واحترام حقوق الإنسان ،إن هؤلاء الذين ينسون أو يتناسون أن هؤلاء بشر من لحم ودم مثلنا، وأن تكوينهم الترابى البشرى يجعلهم يجوعون ويعطشون ويبردون ويختنقون ويمرضون ويخافون مثل سائر البشر، وأن الإيمان يرتقى بالطبائع البشرية لكنه لا يقضى عليها ولا يحول معتنقيه إلى كائنات فولاذية أو أسطورية أو آلية!
ثم هل نسى هؤلاء أن الله تعالى ذكر فى سورة الأحزاب أن الصحابة الكرام قد زلزلوا زلزالا شديدا فى معركة الخندق؟ ألم يصف الله الرعب الذى نزل بهم حينما تمت محاصرتهم لأيام، مع الفارق الكبير بين ما حدث لهم وما يحدث لأبطال غزة، بقوله عز وجل: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}، فقد وصل بهم الحال إلى أن يظنوا بالله الظنون وهم خير جيل أنجبته البشرية، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم بل ورباهم على عينه، والوحى يتنزل عليه بين أيديهم؟ فكيف بمن دونهم؟
وبالطبع فإن بقاء هذه المشاعر الفردية مهمة ويجب أن تبقى متقدة، مستحضرةً هذه الهموم والأوجاع كلها، لكن المشاعر الجمعية أهم منها؛ لأن بالإمكان ترجمتها على الأرض إلى إجراءات تخفف الحصار وتدعم المحاصَرين مانحةً إياهم الشعور بأنهم ليسوا وحدهم.
وهنا لا يفوتنى أن أشيد بدور الدولة المصرية قيادة وشعبا بكل ما تقدمه من مساعدات برا وجوا لإيصال المساعدات للتخفيف عن أهلنا فى أرضنا العربية الفلسطينية.
وفى الختام أسأل الله العظيم أن يحرر المسجد الزقصى الأسير وأن ينفك هذا الاحتلال الذى لم يعد غيره فى العالم على أرضنا العربية الفلسطينية.