فى كتابه «الخالدون مائة.. أعظمهم محمد».. حاول «مايكل هارت».. وهو عالم فلك فى وكالة الفضاء الأمريكية.. تصنيف أفضل مائة شخص.. لم ينظر إلى ديانة.. أو لون.. أو جنس.. وإنما كان معياره الأول والأخير مدى إفادته للإنسانية.. وماذا قدم من أجل الآخر.. وكيف كان تأثيه الإيجابى فى حياة البشر.. وضم كتابه الثري.. كل الذين أفادوا البشرية وكانت أعمالهم واكتشافاتهم وابتكاراتهم عاملاً مؤثراً فى خدمة وتقدم الإنسانية.. توماس أديسون مكتشف الكهرباء.. إلى إسحق نيوتن.. إلى أرشميدس.. إلى جراهام بكل مكتشف التليفون والتلغراف.. ومروراً بالقادة الذين أرسوا مبادئ الحق والعدل والمساواة.. عمر بن الخطاب.. وخالد بن الوليد.. إلى قادة العصر الحديث الذى كانوا علامات مؤثرة فى محيطهم.
.. وقيمة وثراء هذا المؤلف بفتح اللام.. أن صاحبه ركز على إعلاء الجانب الإنسانى فى تقديمه لشخصيات كتابه.. فجاء محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب فى مقدمة تصنيفه.. إذ نجح فى إرساء مبادئ العدل والمساواة والتآخى وعدم التفرقة بين أسود أو أبيض.. ولا عربى وعجمي.. واستطاع فى فترة وجيزة خلال 31 عاماً فقط تكوين وقيادة أمة سادت وعلت وكان أميرهم مثل صغيرهم.. وكل فرد فى الأمة يؤثر الآخر على نفسه.. دون وجود جامعات ولا محاضرات.. وإنما كانت أعمالهم وأفعالهم هى عنوان حياتهم.. وكان البعد الإنسانى ومقدار نفعه للآخر.. هو معيار الاختيار والتقييم لدى مايكل هارت.. وهو ما نفتقده بشدة فى ظل النظام العالمى الجديد الذى عاد بالإنسان إلى عصر ما قبل التاريخ.. وعصر الغاب الذى يأكل فيه القوى الضعيف.. والبقاء فقط للأقوي.. هذا هو القانون الذى يحكم هذا العالم الذى يتباهى بالصعود إلى القمر وامتلاك ناحية الفضاء.. والسعى لإعمار المريخ.. والوصول إلى قمة الذكاء الاصطناعي.. الذى يتفوق كل يوم على الإنسان الذى ابتكره وصممه.. ورغم هذا التقدم المذهل إلا أن إنسان هذا التقدم يفتقد للإنسانية بصورة غير مسبوقة.. ولو تعامل إنسان اليوم بنفس معيار ومنهج «مايكل هارت» وإعلاء الجانب الإنسانى والقيم الحياتية والعمل بفكر «خير الناس أنفعهم للناس» لاختفت كل الأزمات التى تعانى منها اليوم.
.. ولما كان هناك من يحاصر الآخر اقتصادياً.. ويمنع عنه وقود الحياة.. ولما كان هناك من يمارس سياسة القهر والتجويع.. وترك الأطفال تموت عطشاً.. ولما كان هناك من يستخدم كل ما يملك من قوة لإبادة الآخر.. ولما فكر البعض فى أيديولوجية المليار الذهبي.. واستغلال كل تقدم علمى فى تخليق الفيروسات القاتلة والأمراض الفتاكة للتخلص من مليارات البشر ليبقى مليار واحد من الصفوة وأهل فكرة «المليار الذهبي» الذى يستحق الحياة من نظرهم لينعم بثروات الأرض وإكسير الحياة.. وليذهب الآخرون إلى الجحيم.
>>>
إن الأزمة الحقيقية التى يعانى منها إنسان الألفية الثالثة.. هو أنه تخلى عن إنسانيته.. واستباح كل شيء.. للتخلص من أخيه الإنسان.. وبدلاً من أن يستغل تقدمه العلمي.. فى خدمة البشر.. راح يسخر كل نعمة أنعم بها الله عليه فى القضاء على الآخر.. ولو كان يعلم «الفريد نوبل» صاحب جائزة «نوبل» والذى اخترع الديناميت.. لشق الطرق بين الجبال.. وحفر الآبار والبحث عن الذهب والنفط.. لو كان يعلم أن إنسان هذا العصر سوف يستخدمه فى القضاء على أخيه الإنسان.. ما وصل إلى هذا الاخترع.. ولو استغل أصحاب التقدم والابتكار العلمى ما لديهم لخدمة الآخر لكان البشر أسعد حالاً.. والمستقبل أفضل.. ولما كان هناك عنصرية.. ولا بغضاء ولا كراهية.. ولا قتال.. ولا نزاع.. ولا انتقام من الإنسان للإنسان.
>>>
إن العودة إلى الإنسانية.. وإعلاء القيم التى فطرنا الله عليها وحب الإنسان لأخيه الإنسان.. واليقين بأن خير الناس أنفعهم للناس.. وأنه لن يؤمن إنسان ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. لو تمسكنا بإنسانية الإنسان.. لانتهت كل الأزمات!!