كشفت دار الإفتاء عن قيام بعض جمعيات «بير السلم» بالدعوة إلى أحياء شعيرة الأضحية فى بعض الدول الإفريقية بدعوى أن أسعار الأضاحى بها أقل كثيرا من أسعار الأضحية فى مصر.. كما أوضحت الإفتاء أن تلك الجمعيات تمارس النصب على البسطاء وتجمع أموالهم ولا تحقق ما اتفقت عليه معهم علماء الدين أكدوا أن تلك الدعاوى من قبيل الأضحية الحرام لمخالفتها منهجية الإسلام فى عدم نقل الأضاحى أو الزكاة إلى خارج البلاد طالما أن بها محتاجين.
أوضح د. مجدى عاشور من علماء الأزهر الشريف أن تلك الدعوات تحيط بها شبهات الحرام والاحتيال والنصب من تلك الجمعيات المجهولة التى تستخدم أساليب الخداع البصرى فى تصوير المجهول وإبرازه فى صورة الواقع المحسوس، وينصبون شباكهم حول ضحايا هم مستغلين صفحات السوشيال ميديا لنشر اعلاناتهم الخادعة، إضافة إلى بعض القنوات المجهولة المصدر مثل الأدوية المغشوشة، وللأسف يتسبب حرص البسطاء على إقامة شعيرة الأضحية فى وقوعهم ضمن ضحايا تلك الجمعيات محترفة الاحتيال بدعاوى فارق أسعار الأضاحى بين مصر ودول إفريقيا، وإذا علم الإنسان أن ماله عرضة للضياع وواصل طريق تهديد ماله فإنه يقف فى موطن السؤال أمام الله تعالى يوم القيامة لأن المال عصب الحياة فإذا أهمل الإنسان فى انفاقه بالصورة الصحيحة فإنه يفتح الباب امام اللصوص للاستيلاء على مقدرات التنمية الحياتية، ومن أعظم مساوئ تلك الحالة التى نتناولها أنها تحرم الفقراء من سداد حاجتهم بما يحجب عنهم مذلة السؤال.
فيما أوضح د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الفقهاء قرروا بأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن دفع الضرر العام مقدم على الضرر الخاص، وهذه القواعد إذا قمنا بتطبيقها على قضية ذبح الأضاحى خارج الوطن فإننا نجد أن مصلحة أبناء الوطن ممن يحتاجون تلك اللحوم فى ظل استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التى أسهمت فى رفع التضخم بما نتج عنه من رفع الأسعار للسلع الإستراتيجية أدى إلى حرمان فئات من بعض احتياجاتهم الغذائية، لذلك جاءت تلك الشعائر مثل الزكاة أو الصدقات لتحقيق ضبط التوزان المجتمعى بالتعاون مع الدولة، مضيفا أن الإنسان إذا نظر إلى مصلحته الشخصية بالبحث عن أسعار الأضحية فى أماكن أسعارها أرخص من مجتمعه وفق تلك الدعاوى فإن ذلك سيؤدى فى النهاية إلى عدم إقامة شعيرة الأضحية فى وطنه، ومن ناحية أخرى إلى عدم تحقيق التكافل المجتمعى الذى يسعى إليه الإسلام، مشيرا إلى أن الإسلام فى تشريعه الزكاة أو الصدقات أو الشعائر مثل الأضحية والعقيقة فإن لم يمنع المسلم من إعطاء جاره غير المسلم من تلك الشعائر طالما أنه محتاج، لأن الإسلام يهدف إلى سد الذرائع، وأقوى ذريعة يحرص الإسلام على حماية المجتمع من آثارها هى ذريعة الاحتياج التى تمثل سوطا يجلد ظهور الأفراد مما يدفع بعضهم إلى سلوك طرقا غير مستقيمة بالعدوان على المال العام أو الخاص، وهنا ينتشر تهديد السلم والأمن المجتمعى بما تنعدم معه أجواء التنمية القائمة فى أساسها على الاستقرار.
دعا د. كريمة إلى حجب تلك القنوات باعتبارها نافذة لإعلانات الوهم فى العقائد والأبدان بما نتابعه ونسمع عنه من أدوية ومكملات غذائية مجهولة المصدر، كما يجب على وزارة التضامن الاجتماعى متابعة تلك الكيانات التى تفسد علاقة المواطن بالعمل الخيرى بما يحجب الكثيرين من راغبى عمل الخير من دفع أموالهم للجمعيات الموثوقة، وهناك دور ثالث على جهات الإعلام بأن تمارس دورا فاعلا فى كشف تلك الجمعيات التى تسعى لجمع المال الحرام تحت ستار الشعائر والصدقات.
فيما أشار د. محمد راشد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إلى أن الإسلام له منهجية فى التعامل مع احتياجات الأفراد وفق خطوات تصاعدية تبدأ بتحقيق الكفاف بتوفير الحد الأدنى من الطعام والملابس بما يستر جسد الإنسان ظاهرا وباطنا، وإذا تحقق هذا المستوى فإننا نتنقل إلى المستوى الثانى وهو تحقيق الكفاية وتتضمن توفير بعض الاحتياجات الأخرى التى تسهم فى تجميل حياة الإنسان، وإذا نجح المجتمع فى الوصول إلى ذلك المستوى فإن جميع عناصره يصبحون حالة دفع للزكاة والصدقات وبالتالى يتحقق لديهم فائض يمكنهم توجيهه إلى أقرب المدن المجاورة لهم فى نطاقهم المحلى الداخلى من المحافظات المجاورة، وبعدما يتأكد الجميع من تحقيق الكفاية كاملة يمكن للأفراد توجيه الزكاة والصدقات إلى جمعيات العمل الأهلى المعتمدة من الدولة حتى تقوم بتوزيعه وفق آلية رسمية موثقة بعيدا عن المتاجرات الحرام من راغبى النصب وجامعى المال الحرام، وقد رأينا دور تلك الجمعيات مؤخرا فى دعم أهالى غزة فى صمودهم أمام الطغيان الصهيوني، مضيفا أنه يجوز للمقيم خارج وطنه أن يقوم بتفويض من يتولى عملية الذبح نيابة عنه فى وطنه، مثل المبادرة التى أطلقتها وزارة الهجرة بالتعاون مع وزارة الأوقاف حينما فتحت حسابا بنكيا بما يعادل قيمة صكوك الأضحية بالجنيه المصرى يقوم بإرساله المصرى المقيم فى الخارج لحساب إحدى الجمعيات الموثوقة والمعتمدة من الدولة أو إلى وزارة الأوقاف لتقوم بالذبح نيابة عنه بما يساعده فى تحصيل ثواب عظيم بتحقيق الشعيرة، والتصدق على أهله وصلة رحم مجتمعه والوفاء بحق بلده عليه.