لا شك أن الإعلام واحد من أهم الأسلحة العصرية فى المعارك والقضايا الفكرية والثقافية وتجييش الرأى العام أو تهيئته، وأن طبيعة المرحلة والتحديات الراهنة تحتاج إلى التوازن بين الإعلام الكاشف والإعلام الباني، فلا يمكن لأحد أن ينكر دور الإعلام الرشيد فى بناء المجتمعات والدول بصفة عامة وبناء الفكر الرشيد ومواجهة التحديات بصفة خاصة، كما لا يمكن لأحد أن يتجاهل خطر استخدام بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل فى العمل على هدم الدول أو إفشالها، وبخاصة من تلك المنظمات والجماعات المتطرفة وكتائبها الإعلامية والإلكترونية.
الإعلام البانى جزء من الوطن ومن أهم مكوناته، والإعلاميون هم نخبة من أبنائه ومثقفيه ومستنيريه، فمن يبصّر بقضايا الوطن الحقيقية ويواجه مخططات أعدائه وشائعاتهم إن لم يكونوا هم فى الطليعة من ذلك؟.
الإعلام الرشيد لا يمكن أن يقوم على مجرد تصيد الأخطاء أو حتى مجرد رصدها وينتهى دوره عند هذا الحد معتبراً الإثارة غاية لا وسيلة.
الإعلام الرشيد هو ذلكم الإعلام الذى يسهم فى اقتراح الحلول، ومعالجة المشكلات، ويهيئ الطريق وينيره أمام متخذى القرار من القائمين على شئون المؤسسات الوطنية، وهو الذى يذكر الإنجاز ويبرزه كما ينبه على نقاط الضعف ويقترح حلولا لها، ويشد على يد المجتهدين كما ينعى باللائمة على المقصرين.
الإعلام الرشيد هو الذى يعى طبيعة كل مرحلة وما تقتضيه المصلحة الوطنية، واختيار الأوقات المناسبة لمعالجة القضايا، ويعنى بالموضوعية دون تهويل أو تهوين أو إفراط أو تفريط. وهو الذى يسمو صاحبه فوق الانطباعات الشخصية إلى درجة المعالجة الموضوعية، وهو الذى ينصف المختلف معه عندما يحسن أو يكون الحق فى جانبه، كما ينصف المتفق معه.
الإعلام الرشيد هو الذى يحدد أهدافه ويعمل على تحقيقها، ويرتب أولوياته ويعمل على إنجازها، ويتخذ من كل ما يؤدى إلى البناء والتعمير ومواجهة الفساد والانحراف ومحاولات إفشال الدولة خطا ثابتاً.
هو ذلكم الإعلام الذى يتصدى للشائعات ويكشف كذبها ومن ورائها ويفنّد ضلالاتهم وأباطيلهم بالحجة والبرهان والحقائق والأرقام.
ذلكم هو الإعلام الذى نفخر به عندما نطلق عليه مصطلح الإعلام الوطني، أو الإعلام الرشيد، أو الإعلام النبيل، أو الإعلام الهادف، أو الإعلام الباني.
وفى الوقت ذاته نحذر من الانسياق خلف كتائب الإعلام الهادم القائم على الكذب والافتراء، وقلب الحقائق، بل إن واجبنا أن نتعاون على كشف تلك الوسائل والكتائب الهدامة ومن يسير فى ركابها من العملاء المأجورين، وأن نفند بالحقائق كذبها وبهتانها وأباطيلها وضلالاتها الفكربة ومغالطاتها فى مختلف مجالات الحياة.
إن طبيعة المرحلة والتحديات الراهنة تحتم علينا التكاتف الفكرى والثقافى وبذل المزيد من الجهد عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وعبر المنصات والتقنيات والتطبيقات ومواقع التواصل المختلفة بما يحصن شبابنا ومجتمعنا ودولنا من أراجيف وافتراءات وشائعات أهل الشر وجماعات التطرف التى تستهدف النيل من أمننا واستقرارنا، وتعمل جاهدة مدفوعة من أعدائنا على إفشال دولنا أو إسقاطها باستهداف رموزها الوطنية وتشويه الإنجازات وقلب الحقائق وتهويل أى أخطاء فردية وصبغتها بصبغة منهجية، متخذة من سلاح التشكيك المستدام وسيلة للهدم، مما يتطلب من كل وطنى غيور على دينه ووطنه بذل أقصى الجهد فى كشف افتراءات تلك الجماعات وتفنيد شائعاتها من جهة والإسهام الجاد فى كل ما يحقق البناء والتنمية من جهة أخري.