الفرق بين الشخص الناجح وغيره فى أى مجال، أن الأول حريص على أن يطور من قدراته ويكتسب معارف ومهارات جديدة كل يوم، فرغم أن شرط التقدم لوظيفة ما على سبيل المثال قد يكون واحداً وينطبق على الاثنين لكن فى الأخير قد نجد أحدهما ينجح والآخر يفشل، وذلك لأن النجاح يتطلب قدراً كبيراً من الاستعداد والتدريب قد يتوفر لأحدهما دون الآخر, فالتدريب عنصر أساسى فى تطوير الـقدرات البشرية وتحقيق النجاح فى مختلف المجالات.
لو تحدثنا عن مجال مثل الإعلام الذى تأثر بشكل كبير بالتطورات التقنية الرهيبة التى اجتاحت مجال الاتصال بشكل عام، سنتوقف عند ملحوظتين كبيرتين الأولى أن هناك انتشاراً واسعاً فى نطاق العمل بالإعلام على اختلاف أنواعه وأشكاله. والثانية أنه رغم هذا الانتشار إلا أن القلة القليلة هى التى تنجح وتمتلك التأثير وهذا يدفعنا للبحث فى الأسباب، وأولها كما ذكرنا التدريب فلو اعتبرنا أن شرط الالتحاق بوظيفة صحفية – وأقصد هنا الصحافة على اختلاف أنواعها مكتوبة مسموعة مرئية-قد توفرت للشخص كالدراسة والتخصص مثلا، فأتصور أن هذا لم يعد كافيا، ففى عصر السموات المفتوحة والذكاء الاصطناعى والتزييف العميق ما لم يتسلح الصحفى بمهارات تمكنه من التعامل مع هذه المتغيرات واستيعاب كل ما هو جديد فسوف يتخلف ويصبح عبئا على مكانه، فالعالم الآن بات منفتحا أكثر على مصطلح الصحفى الشامل، وكلمة الشامل هنا لا تعنى الذى يعرف كل شيء عن كل شيء ولكن تعنى الذى يعرف الكثير فى مجال تخصصه ويستطيع أن يواكب التطور الذى شهده مجال الصحافة، ويمتلك الأدوات والمهارات التى تمكنه من توصيل رسالة بطريقة سلسة ومفهومة، ويراعى الخصائص الجديدة التى أصبحت مهمة للتواصل مع الجماهير بطريقة جذابة وبشكل احترافي.
علينا أن نعترف أن التكنولوجيا غيرت من هوية الصحافة «مطبوعة ومسموعة ومرئية» ووسعت دورها وطورت أشكالها، والعمل الإعلامى بمفهومه الشامل أصبح يتطلب أدوات جديدة تواكب التحولات العالمية، فعلى سبيل المثال بات مطلوبا اليوم من الصحفى أن يتعامل ويستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي، ويقدم محتوى يناسب الجمهور على تلك المنصات، ويستخدم التكنولوجيا فى إنتاج محتواه الإعلامى ويجيد التعامل بالأدوات المتاحة بأفضل طريقة وعليه أن يكون ملما بكل مراحل إنتاج المحتوى الإعلامى من كتابة السيناريو إلى التصوير والتعليق والمونتاج وإدارة الصفحات والحسابات المختلفة.
الواقع الجديد للعمل الصحفى والإعلامى فى العالم، مع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعى و»الروبوت»، يفرض على كل صحفى أو دارس فى كليات الإعلام التسلح بمهارات تنافسية وعمل دؤوب، وهذا لا يتأتى إلا بالتدريب المستمر ومواكبة كل جديد، إذ شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لـ»الروبوت» فى الصحافة، منذ إعلان وكالة أسوشيتد برس فى 2014 توظيفها «روبوت» لنشر الأخبار الاقتصادية مروراً بنظام «بيرتي» الذى تستخدمه مجلة «فوربس» والذى ينتج ثلث محتوى شبكة بلومبرج ونظام «هيلوجراف» الذى تعتمد عليه صحيفة واشنطن بوست ونظام «ريبورتر مايت» المستخدم فى «الجارديان» وغيرها، وهذا بالطبع ليس معناه أن «الروبوت» سيحل محل الإنسان فى الصحافة، فلست من مؤيدى هذا الطرح، فأولا وأخيرا الإنسان هو من ابتكر الروبوت وطور مهمته، لكن التحدى الأكبر سيكون فى قدرات ومهارات العنصر البشري، لذلك ينبغى تهيئة الإعلاميين للمستقبل ليستوعبوا ملامح المنافسة القادمة خاصة فى المحتوى الرقمى وتأثره بخدمات وتقنيات مختلفة مثل الذكاء الاصطناعى والواقع الافتراضى والمعزز، إضافة إلى دورهم فى إنتاج المحتوى الإيجابى ومسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم.