.. ديوان الشاعر الراحل أمل دنقل أول كتاب أعرته للغير وكانت رحلته بدون عودة.. وتكررت تجارب مؤلمة فى اتلاف وضياع نسخ أصلية وتراثية لتترك غصة مرة فى ذاكرة لاتنسي.. منها كتب أخبار الزمان ومروج الذهب للمسعودى وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وحكايات افريقية كتبها لفيف من السفراء العرب والأجانب.. ومصر فى القرآن والسنة للدكتور أحمد عبدالحميد يوسف وشمس المعارف الكبرى وغيرها الكثير.. حتى أعرت مرجعا فى النظرية السياسية للدكتور محمد عبدالقادر ليعود معاقا مشوها ببقع وبلل وخطوط ورسومات لامعنى لها مابين السطور والهوامش.. فأعلنت تمردى على العشم بغيظ وأرغمت المهمل ليأتينى بنسخة جديدة وفرها بعدما أضناه البحث ليتعلم لياقة الحفاظ على الأمانة.
.. مرت سنوات والتقيت إدارية محترمة فى مستشفى الهلال تدرس التسويق وتبحث عن مرجع نادر لأستاذى الدكتور طاهر مرسى وكان من مقتنياتى فتخليت عن تمردى وأحضرته لها لكن الست هانم تركت العمل وفقدت اثرها للأبد لألعن احترامها ورقتها كلما تذكرتها.
.. أما كتاب أسرار النوم لألكسندربوربلى الصادر عن عالم المعرفة فى التسعينيات.. كان قد اختفى فور صدوره ووجدته بعد أعوام صدفة فى سورالازبكية.. وما أن بدأت قراءته حتى غلبنى النوم فى رحلة سفر واكتشفت نسيان الكتاب على مقعد الاتوبيس بعد ساعات من وصولي.. وبعد أيام التقيت السائق فى رحلة أخرى وسألته عن الكتاب فاعاده لى منزوع الغلاف ملوثا بالشحم مشبعا بالثقوب.. ذهدته وقولت له «خليهولك».. فأعاده ممتنا لصندوق العدد والمفكات وكان للمشهد اثر سلبى غريب منعنى الحصول مجددا على نسخة جديدة رغم شغفي.
.. وذات يوم أخبرنى صاحب المقهى أن أحدهم سأل عنى باعتبارى من زبائن المكان ونسق موعدا وألتقيته فأعطانى شهادة تخرجي.. أذهلتنى الصدمة وغمرتنى الدهشة عندما قال وجدتها فى كتاب اشتريته من بائع الروبابيكيا.. كان رسالة ماجستيرفى نظم الحكم والادارة العامة المقارنة بدول اقتصادات البترول لصديق باحث بالأمم المتحدة وقد اعرته زميل استاذ جامعي.. اتصلت به و شكرته ساخرا على عودة الكتاب.. فأكد انه لا يتذكر استعارته له.. فذكرته فتذكر وأرجع سبب نسيانه الى عدم قراءته فأكدت له أننى على يقين من ذلك فأعرب عن دهشته وتساءل كيف عاد لى الكتاب وسبب يقينى من أنه لم يقرأه.. فذكرت له التفاصيل مبرهنا على ذلك بأنه لو قرأه لوجد المستند المهم وعز عليه أهماله.. فاعتذر مدعيا انه خلال انتقاله الى منزل جديد فقد كرتونة بها الكتاب .. ذهبت لبائع الروبابيكيا لأتحرى الامر وبعدما عرضت له صورة الزميل دكتورالجامعة.. أكد البائع أن صاحب الصورة نفسه هو من باع له الكتاب ضمن أشياء أخرى وصدق على كلامه طفل يعاونه.
.. ومن المثير والمرير أيضا..عرفت رجلاً لا يقرأ كتابه إلا على الشاطئ او فى حديقة فريال مبالغا فى هندامه بدلة وجرافت وعطور.. كان الرجل بائع جرائد معروفاً فى بورسعيد وشاعر وخطيب ومتحدث لبق.. وصادقت حلاقا عجوزاً كان يزين محله بأغلفة المجلات وصفحات جرائد بها صور ومانشيتات تاريخية وكان يملك فيضا من كتب وكراسات لتسجيل من يستعيرونها وكذلك يومياته الخاصة والاحداث العامة محليا ودوليا.. وعرفت من يهوى اقتناء الكتب للفشخرة فقط لا للقراءة وغالبيتهم نماذج كوميدية.. وفى فيلا إحدى الهوانم شاهدت هواناً كتباً وضعتها تحت قوائم الاثاث لترفعها وتقيم ميولها.. دنيااااا