الإضراب عن الطعام وسيلة احتجاج سلمية لجذب الانتباه لقضية ما، لكن فى نظر الشريعة الإسلامية يخضع لضوابط صارمة.
فقد ثبت فى نصوص القرآن الكريم والحديث النهى الصريح عن إيذاء النفس وقتلها. يقول الله تعالي: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (البقرة: 195)، و يقول أيضا «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (النساء: 29)، والرسول صلى الله عليه وسلم حذّر من قتل النفس فى أحاديث كثيرة منها ماورد فى الصحيحين «من قتل نفسه بشيء فى الدنيا عُذِّب به يوم القيامة» (رواه البخارى ومسلم).
فى ضوء ذلك، يرى جمهور فقهاء المذاهب الأربعة أن الامتناع الكامل عن الطعام إلى درجة الموت يعتبر عملًا محرمًا يشبه الانتحار. فى المذهب المالكى يقول الإمام القرافي: «لو منع من نفسه طعامه وشرابه حتى مات فإنه آثم قاتل لنفسه». وفى المذهب الحنفى يؤكد شمس الأئمة السرخسي: «ليس له أن يقتل نفسه، ولا أن يعين على قتل نفسه»، ويقول أبو بكر الرازى الجصاص: «مَن امتنع من المباح حتى مات كان قاتلاً نفسه». وعلى المنوال نفسه يؤخذ من نصوص الشريعة وعامة أقوال الفقهاء سلفا وخلفا صراحةً تحريم الانتحار وعدم جواز إيذاء النفس.
فى المقابل، أجاز عدد من المعاصرين الإضراب عن الطعام غير المفضى للموت بشرط ارتكازه إلى تحقيق مصلحة مشروعة.
وقد أفادت دار الإفتاء المصرية فى فتوى معاصرة بأنّ: «يجوز إضراب السجين عن الطعام إذا لم يؤدِّ إلى تلف النفس أو الأعضاء» وهذا يستند إلى قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» ووجود مصلحة رجّحت فى بعض الحالات؛ فلا بأس مثلاً بالامتناع عن المباحات أو الصيام ولكن إذا أحس المضرب بالضرر أو بلغته مرحلة الخطر وجب عليه التوقف، لأن استمرار الأمر إلى الموت يحوّله إلى قتيل نفسه.
من هنا ندرك أن الغاية من الدين هى حماية الإنسان من الهلاك وتعزيز قدرته على العبادة والخير، لذا لا تجيز الشريعة أى عمل يؤدى إلى إهلاك النفس. وفى ضوء ذلك، إذا ارتبط الإضراب بخطر الموت فهو خروج على مقاصد الشريعة وتبريره مردود، ويصبح الفاعل حسب نصوص الشرع «قاتلاً نفسه».
ختامًا، وإن كان الإضراب عن الطعام أحيانًا يُستخدم وسيلةً للضغط، فإن الإسلام يعلى مبدأ حفظ النفس ويحرم إيذاءها عمدًا.
فإذا كان الإضراب الجزئى المسيطر عليه بلا ضرر فى ذاته مكروهًا، فإن الامتناع التام الذى يؤدى إلى الهلاك يعتبر تجاوزًا للحدود الشرعية ومحاولة لقتل النفس محرّمة. وفى نظر الشريعة، النفس أمانة يجب المحافظة عليها، وأى احتجاج يُفضى إلى فقدانها يخرج عن رحمة الله وعن المقاصد السامية التى دعت إليها الشريعة الإسلامية.