لا أحد ينكر أن الدنيا تغيرت وتطورت كثيراً خلال العقود الثلاثة الماضية، ولم يعد لصورة الماضى وجود ولا حتى علاقة بها.. عن التعليم والمدارس أتحدث.
أظن أنه كان هناك اجماع على أن دور المدرسة لم يقتصر على التعليم، وأن الوزارة كانت وما زالت اسمها وزراة التربية والتعليم، مع اختلاف الدور والتأثير، والمناهج هى الأخرى تعكس ذلك وكانت تتضمن الانتماء والوطنية، ثم اتجهت إلى اللغات لمجرد «الفرنجة» والتباهي.
اليوم الدراسى كان به بعض الأنشطة الجاذبة من المعامل والمكتبات، والحصص منها نصيب للرياضة والزراعة والرسم والمواهب وغيرها، وكانت تلك عوامل جاذبة للتلاميذ، بجانب الهدف الأسمى والأهم وهو التعليم والثقافة، وكان الحضور للجميع لا يقبل الجدل ولا المساومة، كل شيء يسير بانضباط شديد، وأولياء الأمور يشاركون بإيجابية فى العملية التعليمية، من خلال مجالس الآباء.
أما عن المعلم فقد كان نموذجاً مؤثراً فى حياة ومستقبل تلاميذه بعلمه واجتهاده وسلوكياته، وتفانيه فى واجبه الذى كان يراه مقدسا ويؤديه بوازع من ضمير قبل أن يخشى الرقابة أو التفتيش أو العقاب فى حال التقصير، لذلك كانت مهنة التدريس من الوظائف المرغوبة عند الكثير من الشباب لما يرونه فى المعلمين من نماذج مشرفة تستحق التقليد، وكان للمعلم هيبته التى تفوق أحياناً هيبة الأب، ويجد التقدير اللائق من المجتمع، ورغم مرور عدة عقود على ترك الدراسة مازالت الأجيال التى عاصرت تلك الفترة تتحسر على ماض تولي.
لا اتهم أحداً فيما آلت إليه العملية التعليمية من تدهور وغلبة التعليم الخاص بمفاهيم مغلوطة أحدثت فرقة مجتمعية، وقسمت الناس إلى طبقات حسب قدراتهم المالية، ووجدنا المدارس الحكومية خاوية على عروشها، خالية من التلاميذ والمعلمين، لا ضابط ولا رابط،وانتعشت السناتر ومراكز الدروس الخصوصية، وقد يكون البعض قد لجأ إليها اجباراً واضطراراً، بينما الغالبية العظمى اتجهت إليها اختياراً، وانتفخت جيوب عصابات الدروس الخصوصية، وأثروا ثراء فاحشاً، فى ظل حالة من التحدى لغياب الرقابة والعقاب، واستغلالاً للانفلات.
بالمحصلة النهائية كانت مدارس بلا تلاميذ وبلا معلمين ولم يكن الوضع أحسن حالا فى المدارس الخاصة التى أصيبت هى الأخرى بفيروس الدروس الخصوصية رغم المبالغ الطائلة التى تحصل عليها وتفوق الخيال، والنتيجة أنه لم يعد لدينا لا تربية ولا تعليم، وأزعم أن الغالبية العظمى من الوزراء كانت لهم محاولات فى التصدى لظاهرة الدروس الخصوصية والعودة إلى المدارس وانتظام العملية التعليمة وإعادتها إلى سابق عهدها، لكن لم يكتب لها النجاح واستمرار حالة الفوضي.
نحن الآن أمام وزير جديد، ومحاولة لإصلاح التعليم، اتخذ أسلوباً تنفيذياً عملياً، بتغيير المناهج ومحاربة الدروس الخصوصية، والعودة إلى تعليم حقيقى كما يحدث فى كل الدنيا وما حققت الدول المتقدمة تطورها إلا عندما بدأت بإصلاح المنظومة التعليمية، وكانت ماليزيا نموذجا يحتذى به فى ذلك، وفى معظم دول أوروبا يأتى التعليم والصحة فى مقدمة الاهتمامات والأعلى حصولاً على نصيب من الميزانيات.
وإذا أردنا أن نصلح حال التعليم فلابد من تصحيح الأخطاء، والعودة إلى الأصول المرعية والقواعد الأصلية، بإعادة الهيبة للمعلم، وانتظام حضور التلاميذ وجميع أطراف العملية التعليمية من معلمين ومفتشين وموظفين، وكذلك إعادة عوامل الجذب للمدرسة، بما يجعل التلاميذ يقبلون عليها باريحية وارتياح ولا يكونون عابسين مكفهرين كارهين للتعليم برمته.
اتذكر أن تلميذا فى مدرسة هولندية كان يرغب النزول من الطابق العلوى على حبل ويجد متعة فى ذلك فقامت المدرسة بتوفير الحبل بطريقة مؤمنة كى يظل التلميذ محباً لمدرسته، وبالطبع لا أطالب بتلبية رغبة كل تلميذ على حده، إنما تلبية الرغبات العامة ولا مانع من استطلاع أراء التلاميذ حول ما يريدونه من أجل أن تكون الأجواء لطيفة وجاذبة.
نتعشم الإصلاح.. ولا نفقد الأمل ولعل الجميع يشاركون.