رغم مرور السنين على قيام ثورة 1952 فإنه ما زالت هناك صفحات كثيرة فى التاريخ لم تقرأ حتى الآن.. فالأحداث مازالت تتكشف .. والمواقف مازالت تسطر إلى الآن تلك المواقف التى أصبحت منذ زمن بعيد بيئة خصبة للمعرفة يستقى منها العلماء والكُتاب والمؤرخون سطوراً للتاريخ فهناك عدة مواقف قبل الثورة وبعدها والتى تؤكد أن مدينة الاسكندرية كانت نقطة البداية للثورة وأيضاً النهاية فمازالت هناك صفحات منسية من تاريخ ثورة يوليو 1952 قبل أن يغادر الملك فاروق مصر .. وأهمها برقية تأييد لحركة الضباط الأحرار كانت من أساتذة جامعة الإسكندرية والتى كانت فى ذلك الوقت يطلق عليها جامعة فاروق الأول.. حيث تجمع خمسة من أساتذة الجامعة فى مبنى اللتوريا خلف كلية الزراعة بمنطقة الشاطبى وهم رشوان فهمى وعلى سامى النشار ومحيى الخرادلى ومعهم إبراهيم طلعت المحامى وعضو مجلس النواب عن الوفد وقرروا الموافقة على تأييد حركة الجيش ضد الملك فاروق بصفتهم أعضاء هيئة تدريس الجامعة ولانقطاع خطوط الاتصال بين القاهرة والاسكندرية قرروا الذهاب إلى مكتب جريدة الأخبار وأبلغوا مديره بنص البرقية فقام بإبلاغ الجريدة وشاء الحظ أن يكون الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل متواجداً فقام بدوره بالاتصال بمكتب الاسكندرية وأكد له أحمد هيبة مدير المكتب وجود برقية تأييد من جامعة فاروق الأول لحركة الضباط الأحرار وتطالب بالتطهير وبعد مرور نحو الساعة تم قطع إرسال الاذاعة وتم بث بيان التأييد باسم رشوان فهمى رئيس نادى هيئة تدريس الجامعة.. ولتأييده للثورة فقد تم فرض الحراسة عليه وعزله من نقابة الاطباء لمطالبته بالحرية والديمقراطية.
فى الساعة العاشرة صباح يوم 26 يوليو 1952 ذهب على ماهر لمقابلة الملك فاروق بقصر رأس التين وكان قد انتقل إليه مساء 25 يوليو ظناً منه بأنه أكثر أمانامن قصر المنتزه وفى هذه المقابلة أبلغ رئيس الوزراء شفهياً انذار مجلس قيادة الثورة بمغادرة البلاد وأشار عليه بضرورة قبوله، وتردد الملك فى بادئ الأمر فى قبول النصيحة وفكر فى المقاومة ولكنه تأكد بأنها وحدها غير مجدية فالشعب والجيش أصبحا يداً واحدة ويحيط بالقصر فاضطر مرغماً إلى النزول على مشورة رئيس وزرائه.. وفى حوالى الساعة الثانية عشرة ظهرا توجه سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة إلى قصر رأس التين ومعه وثيقة التنازل وقدمها للملك فاروق ليوقع عليها .. وفى الموعد المحدد توجه الملك فاروق إلى رصيف الميناء وبرفقته جيفرسون كافرى سفير الولايات المتحدة الأمريكية ليكون فى حماه وبمجرد مغادرته القصر أنزل العلم الخاص به من فوق سارية القصر .. وفى الساعة السادسة استقل الملك فاروق لنشاً للوصول إلى اليخت الملكى (المحروسة) حيث تبعه قائد القوات المسلحة وقائد الجناح جمال سالم والبكباشى حسين الشافعى واليوزباشى إسماعيل فريد لتوديعه على ظهر اليخت وغادرت المحروسة الميناء فى طريقها إلى ميناء نابولى كما غادرها من قبله جده الخديوى إسماعيل بعد عزله عن حكم مصر فى منتصف عام 1879 وصحبته زوجته ناريمان وبناته.. وتشاء الظروف أن تشهد الإسكندرية على رحيل الملك فاروق آخر من حكم مصر من سلالة الأسرة العلوية كما شهدت مجيء محمد على من قبل ذلك بقرن ونصف القرن من الزمان كجندى فى الجيش العثمانى الذى جاء إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها وبذلك تكون الاسكندرية نقطة البداية والنهاية.