نستكمل اليوم الحديث عن الإستراتيجية الوطنية للسكان وتعد مشكلة الزيادة السكانية التى تواجهها الدولة هى التحدى الأكبر الذى يواجه العمل الوطنى فى الحاضر والمستقبل، حيث إنها تعرقل عجلة النمو الاقتصادى وتلتهم كافة عوائد التنمية مما يؤثر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ومستوى معيشتهم.وهذا يحتم علينا العمل على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادى والنمو السكاني، بما يضمن تحقيق الرفاهية للجميع.
وقد أطلقت الدولة خارطة الطريق للتعامل مع القضية السكانية، من واقع تعظيم الخصائص السكانية والارتقاء بجودة الحياة كما أنه تم إعداد الإستراتيجية فى ضوء أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
فى المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية عام 2023، تم مناقشة القضية السكانية، التى تعد ذات أهمية قصوى بالنسبة لحاضر ومستقبل الحياة على كوكب الأرض.
تعد الزيادة السكانية، الحافز والدافع الرئيسى فى العمل على قدم وساق لوضع إستراتيجية وطنية متكاملة للسكان والتنمية للوصول بالوطن إلى الأفضل وتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين.
هذا يستهدف تحقيق التوازن بين السكان والتنمية من خلال تعزيز الصحـــة الإنجابية، وتمكين المرأة، والاستثمار فى الشباب، وتحسين فرص التعليم، ورفع الوعى بالقضايا السكانية، فضلاً عن تحقيق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لجميع المواطنين.
كما أن معدل الإنجاب الكلى عام 2021 كان 2.85٪، وفى عام 2023 بلغ 2.1٪، بينما كان معدل استخدام وسائل تنظيم الاسرة عام 2021، 66.4٪ وفى عام 2023 بلغ 75٪.
كما أن الإستراتيجية تستهدف النظر إلى السكان باعتبارهم أحد أهم عناصر القوة الشاملة للدولة، فضلاً عن حق الأسرة فى تحديد عدد أبنائها، ومسئولية الدولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة، ودمج المكون السكانى فى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير البيئة المحفزة على مشاركة الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص، وتحقيق اللامركزية فى إدارة البرنامج السكاني، والتزام الدولة بتنفيذ برنامج سكانى يهدف إلى تحقيق التوازن بين معـــدلات النمو السـكانى والمـــوارد المتاحة بالدولة، وتعظيم الاستثمار فى الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، فى إطار تحقيق التنمية المستدامة.
الإستراتيجية الوطنية للسكان تأتى فى إطار استكمال «رؤية مصر 2030» لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تتضمن أيضًا الحفاظ على معدلات الزيادة السكانية بشكل يتناسب مع قدرة الاقتصاد الوطنى على تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية، وتحقيق خفض فى معدلات البطالة، إلى جانب توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة على الاقتصاد القومي، وأخطار الإنجاب المتكرر والمتقارب على صحة الأم والطفل.
تعتبر دراسة السكان من أهم الدراسات التى تعتمد عليها التنمية للتخطيط السليم، ويعتبر توزيع السكان لأى مجتمع بعداً مهماً من أبعاد دراسة السكان فى التنمية، حيث تعتمد الخطط التنموية فى نجاحها على وجود قاعدة عريضة من البيانات، يأتى توزيع السكان فى مقدمتها، نظراً للتأثير المتبادل بين السكان والتنمية، ويعد الرابط بين التنمية والسكان رابطاً قوياً حيث يمثل البشر هدف التنمية والقوة المحركة لها، وحيث شهدت مصر خلال العشر سنوات الماضية زيادة هائلة فى عدد السكان، فأظهرت البيانات، ارتفاعاً فى عدد السكان فى مصر من 59.2 مليون نسمة عام 1996م، إلى 72.6 مليون نسمة عام 2006م، ثم 94.8 مليون نسمة فى أبريل عام 2017م، ما يعنى أن معدل النمو السنوى للسكان قد ارتفع من 2.04٪ إلى 2.56٪ خلال الفترة 2006-2017، مما يعنى ضرورة تأمين المزيد من الموارد لسد الاحتياجات السكانية المتنامية وكذلك تحقيق حياة جيدة للمواطنين. لذلك من الضرورى دراسة السكان والوضع الراهن وتأثيره على التنمية فى مصر، مع الأخذ فى الاعتبار الإستراتيجية القومية للسكان «2015 – 2030» التى اطلقت فى نوفمبر 2014.
رؤية مصر 2030، هى أجندة وطنية أُطلقت فى فبراير 2016، تعكس الخطة الإستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة فى كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة. وتستند رؤية مصر 2030 على مبادئ «التنمية المستدامة الشاملة» و»التنمية الإقليمية المتوازنة»، وتعكس رؤية مصر 2030 الابعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.
وقد قررت الدولة فى مطلع عام 2018 تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة مختلف الوزارات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى وبالاستعانة بعدد من أرفع الخبراء فى مختلف المجالات، لمواكبة التغييرات التى طرأت على السياق المحلى والإقليمى والعالمي. واهتم الإصدار الثانى لرؤية مصر 2030 بأن تصبح رؤية ملهمة تشرح كيف ستخدم المساهمة المصرية الأجندة الأممية، وكيف سيخدم ذلك السياق العالمي. وتؤكد الرؤية المُحدثة على تناول وتداخل كل القضايا من منظور الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البيئى والاقتصادى والاجتماعي، فهى رؤية شاملة ومتسقة تتكون من إستراتيجيات قطاعية للجهات الحكومية المختلفة.
تركز رؤية مصر 2030 على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعى ومشاركة كافة المواطنين فى الحياة السياسية والاجتماعية. يأتى ذلك جنبًا إلى جنب مع تحقيق نمو اقتصادى مرتفع، مستدام وتعزيز الاستثمار فى البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمى فى كافة المجالات.
تعطى رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئى متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية. كما تركز الرؤية على حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال الإصلاح الإدارى وترسيخ الشفافية، ودعم نظم المتابعة والتقييم وتمكين الإدارات المحلية. وتأتى كل هذه الأهداف المرجوة فى إطار ضمان السلام والأمن المصرى وتعزيز الريادة المصرية إقليمياً ودولياً.