دور مصر منذ بدء العدوان على غزة.. نال إعجاب وتقدير العالم
اجتياح رفح الفلسطينية وتوسيع العمليات العسكرية.. كارثة
إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء..
ولا تحترم القانون الدولى الإنسانى
غزة فقدت كل شىء.. وتحتاج إلى كل شىء
جهود مضنية تبذلها مصر من أجل وقف العداون الاسرائيلى على غزة وادخال المساعدات بشكل عاجل، وهو ما كان محط إعجاب وتقدير الدول لما تقوم به، وهو ما يعكس التزام مصر التاريخى بالوقوف الى جانب الفلسطينيين، هذا ما اكدته سحر الجبورى رئيس مكتب ممثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فى القاهرة فى حوارها مع «الجمهورية».
الجبورى استعرضت دور «الاونروا» فى توصيل المساعدات الاغاثية للفلسطينيين وما تواجهه من مخاطر ضخمة قد تعرضت لها منشآت الوكالة للضرر الجزئى أو دمرت تماما.
كما أبرزت المعاناة التى يعيشها الفلسطينيون فى غزة على المستويات الصحية والغذائية والمائية، مؤكدة ان غزة قد فقدت كل شيء وتحتاج كل شيء، وهناك تحديات هائلة لإيصال الإمدادات الإنسانية والإغاثية إلى غزة عن طريق البر.
قالت سحر الجبورى إن كل الدول التى أعلنت تعليق التمويل، استأنفت تمويلها للوكالة ونواجه وضعاً مالياً حرجاً، حيث مازالت 9 دول مانحة أبرزها أمريكا وبريطانيا معلقة تمويلها، بإجمالى 267 مليون دولار أى نحو 31,4٪ من الدخل المتوقع للعام الحالي.
> كيف ترين الجهود المصرية للدعم الإنسانى لغزة؟
>> الدور الذى لعبته مصر منذ بدء العدوان على غزة محط تقدير وإعجاب العالم .. ففتح معبر رفح البرى لإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية منذ البداية جعل مصر شريان الحياة الوحيد للقطاع لفترة ليست بالقصيرة، الأمر الذى يعكس التزام مصر العميق بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين فى غزة فى هذه الأوقات العصيبة.
كما لعبت مصر دوراً استثنائياً فى استقبال الجرحى الفلسطينيين للعلاج فى مستشفياتها وفى تيسير مرور المساعدات الإنسانية وتنسيقها من خلال جمعية الهلال الأحمر، كما لا يخفى على أحد جهود الوساطة التى تبذلها مصر بالتنسيق الوثيق مع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية للتوصل إلى هدنة إنسانية تفضى لوقف دائم لإطلاق نار بين الطرفين.
> لكن ماذا عن الوضع الإنسانى فى غزة؟
>> تعجز الكلمات عن وصف ما آلت إليه غزة بعد سبعة أشهر من القصف الجوى والبرى والبحرى المتواصل.. فقد هُجّر 1,7 مليون من سكانها، وبعضهم عدة مرات، علماً بأن 75٪ من السكان هم أصلاً لاجئون فلسطينيون مسجلون لدى الوكالة.. كما تم تدمير بنيتها التحتية ومدارسها وجامعاتها وهدمت منازلها فوق رءوس قاطنيها، فارتفع عدد الضحايا والجرحى ومعظمهم من الأطفال والنساء.. ومن ينجو من القصف، يواجه خطر الموت جوعاً، حيث تشير التقارير إلى أن نصف سكان غزة أى ما يعادل 1,1 مليون فلسطينى يواجهون مستويات عالية جداً من انعدام الأمن الغذائي.. وهناك تقارير أيضا عن موت 27 طفلاً فى شمال غزة بسبب سوء التغذية والجفاف.
بالإضافة إلى ذلك، يعانى السكان انعدام الأمن المائي، حيث يعيش الفرد على أقل من لتر واحد من الماء فى اليوم يستخدمه فى الشرب وغسل الملابس والاستحمام، وهذا أقل بكثير من الحد الأدنى العالمى البالغ 15 لتراً.
ومن الملاحظ أنه تم تجاوز جميع الخطوط فى هذه الحرب، بما فى ذلك الخطوط الحمراء.
فهذه الحرب لا تحترم القانون الإنسانى الدولى الذى ينص على وجوب سلامة المدنيين أينما كانوا، وضمان سلامة جميع مرافق الأمم المتحدة ومبانيها والبنية التحتية المدنية، بما فى ذلك المستشفيات ودور العبادة، من الضرر وتأمين حمايتها فى جميع الأوقات.
ورغم مشاركة «الأونروا» لإحداثيات جميع منشآتها فى قطاع غزة بشكل مستمر لطرفى النزاع، إلا أن 164 منشأة من منشآت الوكالة تعرضت للضرر الجزئى أو دمرت تماماً.
أما القطاع الصحي، فوفقاً لهيئة إنقاذ الطفولة ومنظمة الصحة العالمية، فهو يعانى التدمير شبه الكامل، حيث دُمر ما لا يقل عن 84٪ من القطاع.. ولا تعمل سوى 11 مستشفى رئيسية من أصل 36 فى أنحاء القطاع وبشكل جزئى وتحت قيود شديدة منها نقص الوقود والإمدادات والكوادر الطبية.. وقد سُجل ما لا يقل عن 435 هجوماً على المرافق الصحية والطواقم الطبية فى غزة خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، أى بمعدل 73 هجوماً شهرياً، وهذا المعدل يفوق المعدل الذى حدث فى أى نزاع عالمى قط.
ومع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يقول بعض الفلسطينيين الذين يأوون فى خيام بلاستيكية فى العراء إنها أصبحت ساخنة مثل الأفران بسبب احتباس الحرارة داخلها.. وهناك أطفال فقدوا حياتهم بسبب الجفاف من شدة السخونة.. كما تزداد المخاوف بشأن النظافة والصحة العامة بسبب انتشار البعوض والذباب والفئران والجرذان.. وما زاد الطين بلة، تدمير منشآت إدارة النفايات الصلبة، حيث يوجد نحو 270 ألف طن من النفايات المتراكمة، فزادت مخاطر الإصابة بالأمراض، وبالفعل هناك معدلات عالية جداً من الإصابة بالإسهال وتفشى مرض التهاب الكبد الوبائى «أ».
ناهيك أيضاً عن انهيار قطاعات كاملة مثل الثروة السمكية والحيوانية ومساحات الزراعة التى تقلصت بسبب تجريف الأراضى وتدمير المرافق.
> وسط كل هذا، هل حجم المساعدات الدولية يكفى لدعم الفلسطينيين؟
>> لقد هب المجتمع الدولى لمساعدة غزة من خلال مصر عن طريق معبر رفح البري، كما أرسلت العديد من الدول مساعداتها للوكالة للقيام بتوزيعها على سكان غزة.. ورأينا مؤخراً أيضا قيام بعض الدول بإسقاط المساعدات جواً أو إرسالها عن طريق البحر نظراً للتحديات التى تواجه عمليات إدخال الدعم الإنسانى براً ولتفادى المجاعة فى شمال غزة.. ونحن نرحب بأى جهد من شأنه أن يخفف من معاناة الفلسطينيين فى القطاع.. ولكن تظل المساعدات التى تدخل للقطاع– مهما كانت– قليلة للغاية مقارنة بحجم الاحتياجات المهولة للسكان.. لذلك نهيب بالمجتمع الدولى زيادة المساعدات وألا تفتر همته وأن يقف إلى جانب الشعب المنكوب.
> ما الذى تحتاجه غزة من مساعدات؟
>> غزة فقدت كل شيء وتحتاج كل شيء.. يحتاج القطاع إلى سيل كبير مستديم وآمن لا ينقطع من المساعدات الإنسانية.. بالدرجة الأولي، الغذاء ومياه الشرب النظيفة ومستلزمات الإيواء، مثل الخيام وشوادر الإيواء، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصية والملابس والأحذية وحليب الأطفال وبعض أدوية الأمراض المزمنة، مثل أمراض الكلى والسكر والضغط، ولكن لابد من تنوع المواد التى تدخل القطاع، خاصة إلى منطقة الشمال، وهنا اسمحلى أن أوضح إنه لا يمكن الاعتماد كلياً على المساعدات الإنسانية.. وإنما لابد من السماح بدخول السلع التجارية لدعم إعادة فتح القطاع الخاص وانتعاش الأسواق.. فإن توفرت السلع الضرورية عن طريق المساعدات، تكون أسعارها أضعاف ما كانت عليه قبل بداية الحرب.
> لكن اسرائيل تعطل دخول المساعدات؟
>> هناك تحديات هائلة تواجه إيصال الإمدادات الإنسانية والإغاثية إلى غزة عن طريق البر.. ورغم التحسن الطفيف حاليا فى إدخال المساعدات، إلا أنها تبقى أقل بكثير من المتوقع.. فقبل الحرب، كان يدخل القطاع من معبر رفح يوميا ما لا يقل عن 500 شاحنة، 400 منها تجارية و100 محملة بالدعم الإنسانى والوقود.. وبعد التحسن المذكور لم يدخل خلال شهر أبريل القطاع سوى ما معدله 192 شاحنة يوميا.
أما التحديات فهى عدّة.. فمثلا يستدعى نقل المساعدات من مصر إلى غزة تفريغ البضائع من الشاحنات وإعادة تحميلها إما للتفتيش اليدوى أو بالماسح الضوئى عدة مرات من قبل الإسرائيليين، قبل وعند وبعد دخولها معبرى رفح أو أبوسالم.. وهناك القيود المفروضة على بعض الأغراض التى تصنف تحت بند «ذات الاستخدام المزدوج»، مثل الخيام ذات الأعمدة الحديدية واسطوانات الأوكسجين وأدوية السرطان.
أما داخل القطاع فالتحديات أكبر بكثير بدءاً من الحواجز الأمنية التى وضعتها القوات الإسرائيلية والعوائق الأمنية، بما فى ذلك الغارات الجوية على الشاحنات برغم ارسالنا لإحداثيات الشاحنات للسلطات الإسرائيلية للمرور من خلال طرق محددة، وضعف السيطرة الأمنية على القطاع ومنع وصول قوافل المعونات التابعة للوكالة إلى شمال القطاع بشكل مستمر.. فعلى سبيل المثال منعت السلطات الإسرائيلية دخول 35٪ من إجمالى القوافل الإنسانية فى شهر أبريل.. وأخيراً وليس آخراً، القصف المتواصل للقطاع دون تمييز الذى أدى إلى مقتل 180 من زملائى ليزيد عدد من قتل من عاملى الإغاثة على 200.
> كيف تتعاملون مع المنظمات الإغاثية الدولية؟
>> «الأونروا» أكبر وكالة إنسانية فى القطاع وهى العمود الفقرى للعمليات الإنسانية الجارية فيه، وكل المنظمات الإغاثية والأممية تعتمد على الوكالة لإيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى الفلسطينيين، مستفيدة فى ذلك من منشآت الوكالة وقدراتها اللوجيستية ومواردها البشرية.. كما تقوم الوكالة بتوزيع المساعدات الواردة عن القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتوزيع الوقود للمستشفيات ومعامل تحلية المياه وغير ذلك.. لذلك يتم التنسيق بشكل دائم مع كل الأطراف الفاعلة لضمان تنسيق الأدوار وتحديد أولويات المساعدات المطلوبة وآليات توزيعها داخل وخارج ملاجئ الأونروا، ناهيك عن الضلوع بالقوافل الإنسانية المشتركة لإيصال الوقود والمساعدات الطبية إلى المستشفيات والمواد الغذائية ومياه الشرب النظيفة إلى منطقة الشمال.
ولابد من الإشارة إلى أنه رغم الوضع الإنسانى المزرى والقصف والفقد، إلا أنه مازال نحو 4 آلاف موظف من موظفى الوكالة يعملون بكل تفانى ويخدمون المجتمع من خلال تقديم الخدمات الإغاثية والإنسانية والطبية لكل الفلسطينيين، كما لو أنهم شموع تضيء درب الأمل فى حياتهم، وذلك برغم فقدهم عوائلهم أو منازلهم أو نزوحهم لعدة مرات فى بعض الأحيان.. فلهؤلاء الأبطال كل التقدير.
> كيف تنظرون إلى الدول التى توقفت عن تمويل الأونروا، وكم وصل حجم التمويل الان للأونروا والتأثير عليها بشأن ذلك القرار؟
>> لقد استأنفت غالبية الدول التى أعلنت تعليق التمويل، تمويلها للوكالة، ، فيما مازالت 9 دول مانحة أبرزها أمريكا وبريطانيا معلقة تمويلها بإجمالى 267 مليون دولار أى نحو 31,4٪ من الدخل المتوقع للعام الحالي.. ومازلنا نعانى من وضع مالى حرج، هذا بالإضافة إلى قرار الكونجرس الأمريكى بتعليق تمويل الوكالة حتى مارس 2025 الذى يشكل 87٪ من إجمالى الأموال المعلقة.
خلقت هذه القرارات فجوة كبيرة فى الميزانية التشغيلية السنوية للوكالة، مما من شأنه أن يكون له عواقب وخيمة ويؤثر سلبا على الاستقرار فى المنطقة. ففى سوريا التى مزقتها الحرب يعيش 90٪ من اللاجئين الفلسطينيين تحت خط الفقر، وستتأثر المساعدات النقدية لنحو 420 ألف لاجئ فلسطينى منهم.. وفى لبنان المنهك ماليا واقتصاديا، قد تتأثر المساعدات النقدية التى تقدمها الوكالة إلى 160 ألف لاجئ فلسطينى ويتوقف علاج نحو 50 ألف لاجئ بالمستشفيات أو تتوقف بالكامل، وغير ذلك.
وفى الوقت الذى أتقدم فيه بالشكر للدول التى قدمت إلينا مساعدت لأول مرة مثل الجزائر وسريلانكا وجيبوتى وغويانا وفيتنام، ولشركائنا الذين زادوا من تبرعاتهم.. نناشد كل الدول التى علقت تمويلها استئناف التمويل فورا وبالكامل لتمكين استجابتنا وعملياتنا الطارئة فى المنطقة. وفى هذا الصدد، أطلقت الوكالة مناشدة طارئة بقيمة 1,2 مليار دولار، لتغطية استجابتها الإنسانية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة حتى نهاية عام 2024.
> ما حجم الخطر الذى يواجه مليون وثلاثمائة ألف مواطن فى حال اقتحام رفح الفلسطينية والتداعيات الإنسانية؟
>> دخول رفح الفلسطينية بريا وتوسيع العملية العسكرية فى هذه البقعة التى لا تتجاوز مساحتها 60 كيلو متراً مربعاً سيكون كارثة محققة ومن المتوقع أن يتسبب فى زيادة مهولة فى أعداد الضحايا المدنيين وتدمير ما تبقى من القطاع.. وهنا أتساءل إلى أين سيذهب هذا الكم الهائل من البشر؟ لا يوجد مكان آمن فى القطاع كما شهدنا. كانت رفح تأوى 270 ألف نسمة والآن ما يقرب من مليون ونصف نزحوا إليها ظناً منهم أنها آمنة.
كما ستؤدى أى عملية برية فى رفح إلى إعاقة الخدمات الإغاثية وعرقلة الاستجابة الإنسانية وللأسف سيكون من الصعب جدا تقديم المساعدات بشكل آمن وفعال حينذاك. علماُ بأن الأونروا تدير عملياتها من مدينة رفح، ولا نزال ندير مركزين صحيين هناك بالإضافة إلى مراكز التوزيع والمخازن سواء للمواد الغذائية وغير الغذائية والأدوية وغيرها من المستلزمات ناهيك عن مراكز الإيواء التابعة للوكالة والتى تأوى أكثر من مليون نازح. ولابد من التنويه ان لهذه الخطوة عواقب محتملة على الأمن والاستقرار فى المنطقة ككل. وضرورة أن يستمع الجميع إلى صوت العقل وأن يتم التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار.