فى زحام الحياة وتقلباتها، هناك ثابت واحد لا يتغير، حضن دافئ لا يبرد.. قلب نابض لا يخذل.. روح مضيئة لا تنطفئ.. إنها الأم، المعجزة التى لا ندرك قيمتها كاملة إلا بعد أن يطول بنا العمر، ونفهم أنها كانت المركز الذى دارت حوله حياتنا.
غدا هو يوم الام.. ونتذكر هنا دور الأم المقدس الذى لا يحتاج إلى أن نحتفل به يوما.. بل أيام وأعوام ولا تكفى أعمارنا لكى نعطيها جزءاً من حقوقها علينا.
لا تتوقف الأم عن العطاء، فهى النهر المتدفق الذى لا ينتظر الشكر، تضع الطعام أمامنا وقد نسيت أن تأكل، وتتألم إذا مسّنا وجع وكأن الألم يسرى فى جسدها قبل أن يصل إلينا..إنها المدرسة التى لا تحتاج إلى جدران، والملاك الذى يسير بيننا دون أجنحة، والرُكن الذى نلجأ إليه حين تضيق بنا الدنيا، فلا نجد إلا قلبها يسعنا مهما كان حجم خطايانا.. أعظم ما يميز الأم أن حبها لأبنائها غير مشروط، لا يسألك عن نجاحك أو فشلك، لا يطلب منك تبريرًا، لا يسقط عنك حقوقه مهما قصّرت، فالأم تحب لأنها أم، لأن هذا الدور كُتب عليها كأقدس الأدوار، لأنها خلقت لتكون الحنان الذى لا يموت، والأمان الذى لا يُنافسه شيء.. إذا كان الحب فى الحياة أنواع، فإن حب الأم هو النوع الوحيد الذى لا يمكن أن يتكرر، لأنه حب فطري.. غريزي، من دون مصلحة أو غاية، لا يذبل بفعل الوقت، ولا يفتر ببرود الأيام، قد تتغير شكل العلاقة بين الأم وابنها مع الزمن، لكنها تظل تراقب، تقلق، تفرح بصمت، وتحزن بصمت أشد، كأنها لا تريد أن تُثقل كاهله حتى بحبها العظيم.
الأم هى الشخص الوحيد الذى يمكنه أن يسامح قبل أن تعتذر لها ، أن يمنحك بلا حساب، أن يفديك بنفسه دون تفكير، فهى الوحيدة التى تراك طفلها حتى لو تجاوزت الستين، تراها فى دعائها، فى انتظارها، فى نظرة فخرها حين تنجح، وفى دمعة صامتة حين تبتعد.. حتى بعد وفاتها نرى حبها فى دعواتها التى نشعر بها فى التوفيق وحب الناس، فطوبى لمن رضيت عنه أمه.
حين يأتى يوم الأم، يحتار الأبناء فى كيفية التعبير عن امتنانهم، يقدمون الهدايا، يكتبون الكلمات، لكن الحقيقة أن الأم لا تحتاج إلى يوم لتشعر بالمحبة، لأن يومها الحقيقى هو كل لحظة نتذكرها فيها، كل مرة تسمع صوت ابنائها ولو عبر الهاتف للاطمئنان عليها، كل مرة عدنا فيها إلى البيت ونحن نحمل لها وردة ولو فى قلوبنا فقط.
الاحتفال الحقيقى بالأم لا يكون بالكلمات فقط، بل بفهم قيمتها وهى على قيد الحياة، بإدراك أن كل لحظة تقضيها معنا هى كنز لن يتكرر، وأن حبها ليس مجرد شعور، بل هو بوصلة نحتاجها حتى لا نضل الطريق.. الأم ليست مجرد شخص، إنها فكرة، روحٌ تعيش فينا حتى بعد أن ترحل، تبقى دعواتها تضيء لنا الطريق، تبقى نصائحها ترنّ فى آذاننا، تبقى ذكرياتها زادًا للقلب فى أوقات الوحشة، ونعيش ببركتها ما دامنا نسير على خطى رضاها.