فى «عالم مختلف» له طبيعته وخواصه وخصوصيته.. تخوض أجهزة الأمن أصعب وأدق وأوسع المواجهات مع عناصر وأباطرة وعصابات «الإجرام».. مواجهات غير تقليدية لها قواعدها وأساليبها ووسائلها وفقا لما تقتضيه وتفرضه ضرورات «مسرح الجريمة» فى هذا العالم .. أتحدث عن مكافحة الجريمة فى «عالم الإنترنت» حيث الفضاء الإلكترونى الفسيح .. لا حدود .. ولا حواجز .. ولا سدود.. الكرة الأرضية بقاراتها ومحيطاتها وبحارها وجبالها وصحاريها ووديانها صارت بالفعل وكأنها ليست قرية صغيرة بل»حجرة» صغيرة.. المهام الأمنية هنا على أراضى «ميتافيرس» ومسارح «العالم الافتراضى» يتطلب تنفيذها عمليات إعداد وتأهيل وتجهيز كبيرة بالإضافة إلى العديد من الأدوات والوسائل غير المعتادة .. لأن المكان غير المكان .. والزمان غير الزمان.. والعالم غير العالم!!
فى «عالم الإنترنت».. هناك الكثير من مراكز وقواعد ومنصات «الإجرام عن بعد».. هذه «الأوكار الإلكترونية» تتداخل وتتشابك فيها أهداف العناصر والعصابات الإجرامية مع أهداف ومشاريع «قوى الاستهداف» التى تعمل على دعم ورعاية ومساعدة أى عمل إجرامى بمكن أن يساعد فى تحقيق أطماعها الاستعمارية القديمة والجديدة.. لذلك فإن هذه القواعد أو المنصات التى توجه وترعى وتنظم عمليات «الإجرام عن بعد» تكون منطلقا أساسيا فى تنفيذ العديد من العمليات مثل تهريب شحنات المخدرات حول العالم وكذلك الأسلحة النارية وتهريب الآثار وغسل الأموال بالإضافة إلى تنفيذ عمليات أخرى يأتى فى مقدمتها السطو على البيانات الخاصة بعملاء البنوك وتنفيذ جرائم كبرى ذات طبيعة اقتصادية.. وهذه العمليات جميعها تعد فى نفس الوقت من العوامل المساعدة فى شن «الحروب الناعمة».
مراكز «الإجرام عن بعد» عبر «الفضاء الإلكتروني» تشارك بفاعلية فى «الحروب الجديدة» التى تستهدف الجبهات الداخلية لعديد من المجتمعات .. تغييب الوعى وضرب الثوابت الراسخة صار فى «عالم الإنترنت»أحد «الأهداف المشتركة» التى تعمل «مراكز الإجرام عن بعد»على تنفيذها.. التطورالتكنولوجى المتسارع فى وسائل الاتصال والتواصل جعل «مراكز الإجرام عن بعد» تقوم بمهام متعددة.. تخدم من جانب عصابات وعناصر الجريمة «التقليدية».. ومن جانب آخر تساعد بشكل أو آخر فى تحقيق أخطر مشاريع «قوى الاستهداف».
عندما يتوصل مجموعة من العلماء «فى أى مكان على وجه الأرض» إلى اكتشاف علمى أو تطور تكنولوجى فى مجال ما من المجالات .. فإنه فى الوقت الذى تسارع فيه مؤسسات وهيئات ومنظمات إلى استغلال ذلك وتوظيفه لخدمة «البشرية».. هناك سلوك آخر تقوم به عصابات الإجرام «المنظم وغير المنظم « من أجل الاستفادة من هذا الاكتشاف العلمى أو الطفرة التكنولوجية فى إتمام «صفقاتها الشيطانية».. لذلك فإن أجهزة الأمن على مستوى العالم يتولد لديها حالة من «الاستنفار والتأهب التقني» عقب انتشار تطبيق كل اكتشاف علمى أو تطور تكنولوجى جديد وذلك للوصول إلى «حل استباقي» لاحتمالية توصل «التفكير الإجرامي» إلى طريقة أو وسيلة يستغل فيها التكنولوجيا الجديدة فى العمليات الإجرامية.
هناك من مراكز أو منصات»الإجرام عن بعد» فى عالم الإنترنت.. هناك من هذه المراكز والمنصات من يمارس عمله علانية وبوضوح ويظل هذا النوع فى مواجهة مستمرة مع رجال الأمن .. وهناك نوع آخر يمارس عمله ويؤدى مهامه بشكل خفى «مشفر» حيث تجمع كافة عناصر وأعضاء هذا النوع من المراكز والمنصات «كلمة سر» معينة لا يعرفها إلا عناصر وأشخاص محددون توكل إليهم مهام معينة.. وهذه المراكز أو المنصات والتى صارت تعمل بنشاط ملحوظ فى الفضاء الإلكترونى يمكن من خلالها التعرف على وسائل وأساليب حديثة فى عالم الجريمة .. يمكن أيضا أن تكون مقرا لقيادة وتوجيه ومتابعة تنفيذ عمليات إجرامية كبرى .. كلما يحدث تطور تكنولوجى خاصة فى مجال «الاتصال والتواصل» يحدث هناك على الجانب المقابل تطور من نوع آخر فى تنفيذ العمليات الإجرامية» عن بعد».
من أخطر التحديات التى تواجهها أجهزة الأمن فى جميع دول العالم «الآن» هى التطورات الخاصة بالذكاء الاصطناعى وانعكاس ذلك على شكل ونوع الجرائم .. التقليدية وغير التقليدية.. فهناك «إشارات» إلى أن دولا ومنظمات أخذت تسارع فى اتخاذ إجراءات شاملة من أجل إحتواء خطر «الذكاء الاصطناعي» والحيلولة دون استغلال ذلك عبر الفضاء الإلكترونى فى تنفيذ أخطر الجرائم وأشدها بشاعة.
فى أحد التقارير الأمنية التى صدرت عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب .. أشار التقرير خلال تناوله لخطر استغلال الذكاء الاصطناعى فى «تهريب المخدرات» إلى نقطة بالغة الأهمية تتعلق بهذا الشأن.. فقد ذكر التقرير أن : «الخطر الأكبر» فى استخدام التكنولوجيا فى جريمة المخدرات والذى لا بد لجميع الأجهزة المعنية من اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته واستشراف المستقبل حياله فيتمثل فى استخدام «شبكات تصنيع وتهريب المخدرات» للذكاء الاصطناعى حيث إنه فى الوقت الذى يساعد فيه هذا «الذكاء» على تحقيق تقدم كبير فى العديد من المجالات فإنه يمكن استغلاله أيضًا لأغراضٍ غير شرعية مثل الاتجار بالمخدرات.. وأنه من خلال استخدام «خوارزمياتٍ ذكية» يمكن لتجار المخدرات تحديد أفضل الطرق لتهريب المخدرات عبرَ الحدود وتحديد أسواق جديدة لبيعها وكذلك التواصل مع العملاء بشكل آمن وفعال!!.. وبالقياس على ما ذكره هذا التقرير عن خطر الذكاء الاصطناعى فى جرائم المخدرات .. فإنه يمكن القول أيضا إنه عن طريق «الذكاء الاصطناعي» يمكن تحديد أفضل الطرق وأفضل الأساليب وأفضل الأوقات لارتكاب جرائم عديدة أخري.. وهذا بالتأكيد تهديد عالمى «خطير».
تعد «البصمة الحيوية» أو «البصمة الباليستية» من أفضل الوسائل والأسلحة «غير التقليدية» التى تستخدمها أجهزة الشرطة المعنية فى ملاحقة مرتكبى الجرائم فى «الفضاء الإلكتروني» .. فهاتان البصمتان يمكن عن طريقهما تتبع المتهمين فى أى مكان ومعرفتهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لإلقاء القبض عليهم مهما بعدت أماكن تواجدهم عن «مسرح الجريمة».. وبالإضافة إلى ذلك هناك وسائل حديثة أخرى تستخدمها الشرطة فى التصدى لكافة أنواع وأشكال «الجرائم الإلكترونية».
عندما تمارس مراكز ومنصات «الإجرام عن بعد» مهامها فى توجيه «الهجمات الناعمة» وفق آليات «الحروب الجديدة» التى تلجأ إليها «قوى الاستهداف».. الإقليمية والعالمية.. ضد المجتمعات العربية من أجل تحقيق «الأهداف القديمة»لهذه القوى فى المنطقة.. عندما تمارس هذه المراكز والمنصات مهامها فى توجيه «الهجمات الناعمة»ضد الشعوب والمجتمعات العربية فإنها فى هذه الحالة تلجأ من بين ما تلجأ إليه إلى «المعلومة».. المضللة والمشوهة .. من أجل ضرب جميع «الثوابت» بالإضافة إلى سعى هذه «الهجمات الناعمة»الدائم إلى إبعاد الأجيال الناشئة فى هذه المجتمعات عن تاريخها بإعتباره أحد مكونات الوعى العام ودعائم الأمن القومي.. «قوى الاستهداف» عن طريق هجماتها الناعمة فى عالم الحروب الجديدة ذلك العالم الذى يتخذ من «الفضاء الإلكتروني»ساحة مفضلة لخوض معاركه وتنفيذ أهدافه الاستراتيجية.. أقول إن «قوى الاستهداف» عن طريق هجماتها الناعمة هذه تضع على رأس أهدافها ضرب ثوابت المجتمع وتغييب الوعى من أجل أن يسهل عليها «خلخلة الجبهة الداخلية» وهنا تكون الطريق ممهدة لتنفيذ «قوى الاستهداف» مشاريعها «الاستعمارية» التى عجزت عن إنجازها من خلال «الحروب التقليدية».
تعتبر مصر من بين أكثر الدول تعرضا لهجمات مراكز «الإجرام عن بعد» سواء التى تقوم بها العصابات الدولية أو تحالف قوى الاستهداف .. وهنا لابد من التأكيد على حقيقة مهمة وهى أن الله سبحانه وتعالى يحفظ مصر دائما من جميع هذه الأخطار .. أرض الكنانة التى ذكرها جل جلاله فى قرآنه المجيد وتحدث عنها رسوله الكريم حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. كم تصدت وأحبطت على مدى التاريخ لمحاولات «قوى الاستهداف» وأعتى عصابات الإجرام .. مصر الكنانة .. مصر «المحروسة».. ستظل بإذن الله سبحانه وتعالى «عصية» على كل من يريدها بسوء.
هناك جهود مصرية فى مجالات مختلفة تسعى لرفع درجة الوعى والإدراك المجتمعى من أجل تقوية «حائط الصد الداخلي» فى مواجهة هجمات وأسلحة الحروب الناعمة الجديدة .. لكن مؤسسات الوعى مازالت مطالبة ببذل المزيد حتى لا تتيح أى فرصة أمام «قوى الاستهداف» ومشاريعها «الاستعمارية».. وبالتوازى مع ذلك تحرص أجهزة الأمن دائما على تطوير وتحديث خططها وتدريباتها ووسائلها بما فى ذلك المناهج الدراسية لطلبة الشرطة والمعاهد الأمنية المختلفة من أجل التصدى لأى جديد فى عالم «الإجرام الإلكتروني».. فعلى سبيل المثال هناك قطاع خاص تابع لوزارة الداخلية يشرف على مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات عبر «شبكة الإنترنت».. هناك أيضا عمليات تنسيق وتعاون تقوم بها الجهات المختصة فى مصر مع جهات عربية ودولية من أجل محاصرة الأخطار الحالية والمستقبلية للجرائم الإلكترونية .
«أوكار الإجرام عن بعد».. تمثل تحديا هائلا لكافة «مفاهيم الأمن» السائدة فى مختلف أرجاء العالم .. لذلك تتطلب عمليات أو جهود مواجهتها أو مكافحتها «استنفارا»متواصلا.. استنفاراً فكرياً وتقنياً وتكنولوجياً .. سواء كان ذلك على أرض الواقع أو بين دهاليز «العالم الافتراضي».