تغيرت العبارة من «مصر تحمل الضوء لآسيا» إلى « ٤ يوليو 1776» وفقط، هذا كل ما حدث حرفياً وكأننا نشهد العبقرى الراحل إسماعيل ياسين وهو يغير فى سذاجة ساخرة رقم من طيارة إلى أخرى فبدى لجمهوره انه «شاطر»!!!
هذا التشابه المطلق وتلك المقابلة المتطابقة بين مشهد بطله ساخر وآخر بطله سارق.. ما يعكس حقيقة الأمور، ونعود إلى النحات الفرنسى الذى نحت وصنع «تمثال الفلاحة المصرية» أو «الحرية» وبسبب تضارب بين رفض ديليسبس ان يكون هذا التمثال أمام قناة السويس بدلاً من تمثال يجسد شخصيته هو، وبين أقاويل تخدعنا برفض الخديوى إسماعيل تمويل إنشاء ونقل التمثال، إلى غير ذلك من الإدعاءات التى كثرت حتى كشفت عن نوايا أصحابها التى نعلم عنهم هذه الحيلة الإعلامية فى تزييف الحقائق حتى تضيع الحقيقة ويقع المتلقى فريسة إعلامهم يعبث ويتلاعب بالوعى كيفما يشاء وطبقاً لمخططاته «!»
تداولت ماكينة الإعلام العابرة للقارات حكاية وحيدة فقط وهي:
كلفت فرنسا فريدريك بارتولدى لتصميم وبناء التمثال بينما هيكله الإنشائى كان لجوستاف إيفل بعد وفاة المهندس يوجينى لو دوك الذى بدأه ولم يكمله، وصمم الأمريكيون قاعدة التمثال، وبدأت حملة التمويل لبناء التمثال ونقله من فرنسا وبناء قاعدته فى أمريكا، وفى فرنسا كان التمويل باقتطاع جزء من الضرائب ووسائل الترفيه حتى جمعت اثنى مليون فرنك لتمويل التصميم والشحن إلى الولايات المتحدة.
بينما كانت فى أمريكا حملة التمويل من المعارض الفنية وكان يقود الحملة السيناتور وعمدة نيويورك ويليام إيفارتز الذى أصبح وزير الخارجية فيما بعد – وشارك جوزيف بوليتزر صاحب جائزة بوليتزر بحملة من خلال صحيفته «أخبار عالمية» وقامت الشاعرة إيما لازاروس بتأليف قصيدة تسمى قصيدة التمثال الجديد.
وهكذا، توفر التمويل، وقام المعمارى ريتشارد موريس هنت بتصميم القاعدة « وانتهت رواية الأمريكان التى عمت أرجاء المعمورة لتزييف الحقائق وتطمس على الحدوتة الأولى والأصلية للتمثال إذ إنه كان لفلاحة مصرية وكان سيوضع عند مدخل قناة السويس.
المهم ان تم وضع حجر الأساس فى أمريكا للتمثال فى ٥ أغسطس 1885 بعد انتهاء تصميم التمثال فى فرنسا بشهر واحد فقط، تم شحن التمثال بعد تفكيكه إلى 350 قطعة وضعت فى 214 صندوقاً على الباخرة الفرنسية إيزرى حتى وصلت إلى ميناء نيويورك، وافتتح التمثال فى 28 أكتوبر 1886 بحضور رئيس أمريكا جروفر كليفلاند… ولم يعد أحد يتحدث عن أصل التمثال ووجهته إلى قناة السويس من باريس بل إلى غرب الأطلنطى عند حافة القارة الأمريكية وكأنه صمم من البداية احتفالاً باستقلال أمريكا عن بريطانيا العظمي.. وعلى الرغم من انتشار مئات من تماثيل الحرية تم نصبها فى أنحاء العالم، أشهرها تلك الموجودة فى باريس، النمسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، الصين، وفيتنام، إلا ان التمثال الذى كان الأوفر حظا من الدعاية العالمية حتى يصنعوا فى برجماتية عيدا وذكرى وطنية ويدللون عليها بتجسيد تمثال للحرية «مسروق» اما الرواية المرتبطة برفض الخديو إسماعيل عرض بارتولدى لارتفاع تكلفته فنرجع هذه الرواية إلى قبل عشر سنوات حيث تصميم ذات النحات فى 1875 لتمثال شامبليون وهو يضع احدى قدميه على رأس أعظم ملوك مصر القديمة «تحتمس الثالث» فى ساحة كوليدج دى فرانس، وسيأتى الحديث عن تمثال آخر يسهم فى حملات الثقافة العابرة للقارات لتزييف الوعي.