أظننى كنت واهما، وفهمت خطأ طوال العقود الماضية، وغيرى الملايين من البشر، أن «الأمم المتحدة» منظمة دولية، تضم فى عضويتها دول العالم، ولكننى معذور فى هذا الفهم الخاطيء، لأن ما جاءنا فى التاريخ والمعلومات والوثائق هو الذى «خدعنا» بذلك.
فقد نقلوا إلينا أنه مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الدول فى حالة خراب، ويريد العالم السلام، فاجتمع ممثلو 50 دولة بمؤتمر سان فرانسيسكو فى 1945، لصياغة ميثاق الأمم المتحدة، وإنشاء المنظمة الدولية الجديدة، بعد عصبة الأمم «1920-1946»، وقالوا فى مؤتمراتهم ووثائقهم، إن الغاية من تأسيس الأمم المتحدة المحافظة على السلم والأمن الدوليين وتنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة فى الحقوق وتقرير المصير للشعوب وحقوق الإنسان والحريات دون تمييز، وتقديم المساعدات والتنمية المستدامة.
لأنهم قالوا ذلك، كنت ممن صدقوهم وفهموا «خطأ» أن الأمم المتحدة منظمة دولية، إلى أن تعرت الحقائق وتبين أنها منظمة «الأمم الأمريكية»، وتجلى ذلك فى هيمنة أمريكا على المنظمة وهيئاتها، وكانت الأكثر إسرافاً واستخداماً لحق النقض «الفيتو» وخاصة فيما يحمى الجرائم الإسرائيلية، ويجهض جهود السلام وإنصاف الشعب الفلسطيني.
فيما يرقى إلى أنه نوع من «الفجور»، تؤيد أمريكا الإبادة الجماعية فى غزة وحصد أرواح الأبرياء وإراقة دماء الأطفال، ويدعمون جيش الاحتلال الغاصب، ويزيدون الطين بلة، وهم يهددون المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بعدما أعلن عن إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه جالانت، لأنهما مسئولان عن جرائم الحرب والإبادة فى غزة.
وصف الرئيس الأمريكى بايدن، قرار الاعتقال بأنه «أمر شائن»، وقال وزير خارجيته أنتونى بلينكن، إنه لا سلطة قضائية للهيئة الدولية على إسرائيل، إنه أمر مخز، وزاد الأمريكيون فى طغيانهم، ويسعى البيت الأبيض ومجلس الشيوخ إلى فرض عقوبات ضد المحكمة الجنائية، لم يتم الإفصاح عنها بعد.
كشف خان، عن تعرضه لتهديدات أمريكية وقال «تحدث معى بعض الساسة وقالوا هذه المحكمة بنيت من أجل افريقيا ومن أجل السفاحين مثل بوتين»، لكن لن تثنينا التهديدات ولن نتأثر بها، وفى النهاية علينا أن نفى بمسئولياتنا كقضاة والإخلاص للعدالة.
المحكمة الدولية أصدرت قرارها بإدانة إسرائيل، وقال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش إن القرار ملزم وواجب التنفيذ، لكن إسرائيل وأمريكا يضعان فى بطنيهما «شادر بطيخ صيفي» لأن أى قرار لأى منظمة تابعة للأمم المتحدة سيصل فى النهاية إلى مجلس الأمن الذى بيده الحل والعقد، ويبقى «الفيتو» الضمان الذى تخرج به أمريكا لسانها للعالم.
هذا التخبط الأمريكى والتناقض الشديد فى المواقف، والاختلاف بين القول والفعل، أصبح ظاهرا أمام الدنيا كلها، وما مظاهرات طلاب الجامعات حول العالم إلا رفض لذلك، واحتجاج على سياسات واشنطن التى يندى لها الجبين وهى تنحاز إلى القتلة ومصاصى الدماء، فالعالم يسير بمنطق قانون الغاب «البقاء للأقوي»، ولم يعد للمنظمات الدولية وجود إلا لمصلحة أمريكا، وهى تحت قبضتها تحركها كيف تشاء.
فى يقيني، لن يكون هناك إصلاح ولا توازن على الأرض، ما لم تظهر قوة أخرى تناطح الأمريكان وتعمل على ردعهم، لكن فى نفس الوقت، لن يكون هناك من يحارب من أجل غيره، فلو ظهرت تلك القوى فلن تتحرك ما لم يمس الأمريكان مصالحها.
>>>
> قال وزير خارجية النرويج إسبن إيديإن إن بلاده ملزمة باعتقال نتنياهو إذا زارها بعد قرار المحكمة.
> نتنياهو يتحدى أنه «لا يخشى السفر فى أنحاء العالم».
> دول أوروبية اعترفت بالدولة الفلسطينية، والمزيد فى الطريق.