ما بين مصر والكويت مساحة كبيرة من العلاقات التاريخية، والأرضية الثابتة على أسس الأخوة والمصالح المشتركة، وهذا ما يجعل الروابط وطيدة والحوار ممتداً والتعاون وثيقاً، والتشاور لا يتوقف، وعلى هذه الأرضية المتميزة تطورت العلاقات بشكل كبير خلال السنوات الماضية وساعد على ذلك تفهم القيادة السياسية في البلدين لأهمية التماسك العربي وقيمة التقارب، وأن مصير الأمة واحد وأن من يعتقد أنه قادر وحده على تجاوز التحديات مخطئ.
لهذا وجدنا طوال السنوات العشر الماضية حالة خاصة من العلاقات الهادئة، والناجحة والتي تحقق طموحات الشعبين، تعددت الزيارات وتكررت اللقاءات المختلفة سواء على مستوى القمة أو المستوى الوزاري، ومع كل لقاء أو قمة نجد إعلانا عن تطوير أكبر المستوى العلاقات واستثماراً أكثر القدرات وامكانات البلدين في تعميق التعاون وفتح مساحات جديدة من التكامل الاقتصادي والتجاري والثقافي، وقبل وبعد ذلك التشاور السياسي الدائم والذي لا يأتي فقط نتيجة الظروف الصعبة المحيطة بالمنطقة والأوضاع الاقليمية المتقلبة، وانما ايضا لأن هناك تقارباً كبيراً بل توافق بين البلدين حول الكثير من القضايا سواء ما يخص الأمن القومي العربي وحمايته أو الأوضاع في غزة وسبل الوصول الى السلام، ومنع التصعيد، وكذلك تطورات الاحداث في سوريا ولبنان والسودان، وتداعيات الصراع العالمي، فرؤية القاهرة والكويت متطابقة في هذه القضايا. والثوابت واحدة سواء ما يتعلق برفض التهجير الفلسطيني أو تصفية القضية، أو حل الدولتين كسبيل وحيد للسلام والاستقرار في المنطقة، أو الرفض التام للتدخل في شئون الدول، وعدم السماح بتواجد المرتزقة والقوات الاجنبية على الأراضي العربية.
هذا المستوى من العلاقات السياسية التي ترقى الى المستوى الاستراتيجي الحقيقي، وهذا التفاهم المشترك نتوازي معه أرقام حجم التبادل التجارى بين البلدين والتي تصل إلى 3 مليارات دولار سنويا، وهو رقم لا يعبر عن واقع العلاقات الأخوية القوية، ولهذا فهناك رغبة مؤكدة من القيادة في البلدين، الرفع سقف التبادل وتوسيع نطاق التعاون من خلال تشجيع الاستثمارات ودعم القطاع الخاص في البلدين، خاصة وان الفرص المتاحة، وتحديدا في مصر، واعدة وجاذبة لكل مستثمر جاد، والأشقاء في الكويت بجانب انهم محبون لمصر واهلها والعمل فيها، فهم أيضا من المتميزين في المجال الاستثماري ولهم مشروعات عملاقة في مصر، بل يتجاوز حجم الاستثمار الكويتي في مصر رقم الـ 20 مليار دولار وخلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى لدولة الكويت قبل شهرين كان هناك ما يؤكد الرغبة المشتركة في زيادة حجم التبادل ومعدل الاستثمار، وكان الحديث الطيب من أمير الكويت سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح عن العلاقات بين البلدين ووصية الآباء لهم بمصر خيرا، واعتباره أن دعم مصر هو دعم للكويت.
هذه الروح الأخوية هي ترجمة حقيقية للمشاعر المتبادلة بين قيادتي الدولتين، فالرئيس عبد الفتاح السيسي منذ تولى المسئولية يقدم نموذجا يحتذى به في دعم العلاقات مع الاشقاء وتوطيدها ودفعها إلى المستوى الذي يليق بوحدة الدم واللغة والثقافة ايمانا من الرئيس بأن الأمة العربية مصير واحد ولا بد أن تكون في طريق واحد.
وطوال السنوات الماضية كان الرئيس حريصاً على التواصل المستمر والتشاور الدائم مع الاشقاء من القادة العرب وأمير دولة الكويت في كل تطورات المنطقة وما يخص الأمن القومي العربي والمصالح المشتركة.
وزيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للكويت وبدأت مساء أمس ضمن جولته الخليجية والتي ضمت قطر والكويت ويلتقى خلالها في قمة ثنائية مع شقيقه أمير الكويت ثم لقاء مع ولى العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح ثم الشيخ فهد يوسف سعود الصباح وزير الداخلية النائب الأول لرئيس الوزراء ورئيس الوزراء بالإنابة، تأتى على هذه الأرضية الصلبة من العلاقات التاريخية المتجذرة والتفاهم الدائم بين قيادة البلدين الشقيقين والفهم الواضح لأهمية أن يستمر التواصل والتشاور.
زيارة الرئيس السيسي للكويت تشمل العديد من الملفات، في مقدمتها تعزيز ودعم التعاون المشترك لأن كلا البلدين في حاجة لهذا التطوير لصالح الشعبين، والواقع يؤكد أن المجالات المتاحة لهذا التعاون كثيرة، والفرص فيها كبيرة خاصة مع التنمية الشاملة التي تشهدها مصر على مدى السنوات الماضية والتي فتحت أفاقاً جديدة وكبيرة المزيد من التعاون وخلقت مناخاً جاذباً للاستثمار.
فنحن نتحدث عن مناطق استثمارية متطورة، ومساحات زراعية ضخمة تتراوح بين 2 إلى 3 ملايين قدان اضافية للرقعة الزراعية، وشبكة طرق غير مسبوقة ومناطق استثمارية وصناعية مؤهلة لاستقبال اضخم المشروعات وفي مقدمتها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وكذلك محاور لوجيستية عالمية ومدن جديدة من الجيل الرابع، وتنمية عمرانية ممتدة، بجانب القطاع الصناعي وما يشهده من نمو كبير، وكذلك القطاع السياحي، وكل هذه مجالات تلقى قبولا لدى المستثمرين الكويتيين ويمكن أن تكون فرصا كبيرة تضاعف حجم التواجد الاستثماري للكويت في مصر التي ترحب بذلك وتدعمه.
أيضا من الملفات المهمة التي ستناقشها القمة التي تجمع الرئيس السيسي وشقيقه أمير دولة . الكويت ما يحدث في المنطقة والتطورات المتلاحقة والتحديات التي تستدعى بوضوح أن يكون هناك موقف عربي موحد ورؤية متوافق عليها ، والكويت من الدول التي تسعى دائما إلى التوافق العربي وما أحوجنا اليه الآن، في ظل الخطر الذي لا يخفى على أحد ويهدد بقوة الأمن القومي العربي واستقرار دولة.
كما أن التعاون الأمنى جزء مهم من الملفات التي ستكون حاضرة في القمة، في ظل الأوضاع الراهنة وظاهرة الارهاب التي تتطلب مواجهة جماعية لتجفيف منابعها وحصارها خصوصا وأن الكويت تعرضت لنفس الخطر، وكذلك مواجهة مخططات نشر الفوضى في دول المنطقة.
بكل المقاييس السياسية والدبلوماسية والاقتصادية هي زيارة مهمة وفارقة، لأنها بين زعيمين تربطهما علاقة أخوة وود كبيرة واحترام شديد، وكذلك لأن الدولتين راغبتان في تعميق التعاون والذهاب به الى آفاق أوسع والثالث لأن الزيارة نفسها في توقيت مهم وفي ظرف غاية في الصعوبة اقليميا ودوليا والدول العربية المستهدف الأول مما يجرى.
وما لمسناه جميعا منذ تولى الرئيس السيسي أن تحركاته وعلاقاته تقوم على مبدأ الحوار والتعاون من أجل الشراكة والتنمية الشاملة والبناء ومصلحة الشعوب، وأن الأمن العربي من أمن مصر، ولذلك فالرهان دائما على نجاح هذه التحركات لأنها مبنية على فهم عميق وقراءة جيدة للوضع المحيط بنا.