يقف الكثير من الناس فى مناسبة عيد الأضحى، عند التضحية والذبح، وهى سنة، ويتم اختزال الأمر فى الأضاحى وتوزيع اللحوم على الفقراء والأقارب، وهى شىء جيد ومحمود وثوابه كبير، لكن لا يفطن البعض إلى ما حدث قبل أن يفدى الله نبيه إسماعيل بذبح عظيم، عندما اصطحبه أبوه سيدنا إبراهيم ليذبحه تنفيذًا للرؤيا التى رآها وتكررت بأنه يذبحه، خاصة وأن رؤى الأنبياء حق.
لكن الموقف الذى سبق ذلك منذ أن رأى إبراهيم الرؤيا، يعد أكثر أهمية، فقد رزق خليل الله بولده إسماعيل على كبر وبعدما كانت امرأته عاقرًا، أى أن الطفل جاء بعد معاناة، وما ان كبر وشب عن الطوق وبلغ معه السعى، يرى أنه يذبحه، فهو أصعب اختبار يتعرض له إنسان حتى لو كان نبيًا من أولى العزم، غير أنه لم يتردد فى تنفيذ أمر الله.
ولننظر إلى هذا الحوار الراقى بين اثنين من أنبياء الله، فيخبر إبراهيم ابنه «يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك»، ولم يفرض عليه أن يمتثل أو يستجيب، بل جعله يشاركه فى القرار بقوله «فانظر ماذا ترى»، ولم ينتظر الابن البار ولم يفكر أو يتردد واستجاب بسرعة، «يا أبتى افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين»، وينقاد لأمر الله، ولم يطلب من أبيه أن يكون رحيمًا به وهو يذبحه، إنما ألا ينظر إلى وجهه حتى لا تأخذه به الرحمة والشفقة فيتراجع عن أمر الله، ثم لا يخبر أمه بتفاصيل الموقف حتى لا يصيبها الحزن.
إنها أخلاق الأنبياء، فقد فكر إسماعيل فى والديه، ولم يفكر فى نفسه وحياته ولا دمه الذى سيراق، لا يريد لهما أن يتأثرا بموته خاصة بهذه الطريقة الصعبة وبيدى أبيه، ومن ثم يقول العلماء إن «أبرّ» ابن بأبيه هو إسماعيل عليه السلام، فلا يوجد فى تاريخ البشرية، من هو أكثر برا بأبويه مثل هذا النبى الذى قال عنه ربه «إنه كان صديقًا نبيًا»، وهذا أكبر درس فى البر بالوالدين، فلا يجوز أن يقول الولد لأبويه «أف»، كلمة من حرفين، ولا أن يعبر عن مجرد التضجر من أى شىء يفعلانه، فضلاً عن أنه يجب أن يستجيب لأوامرهما.
وبكل أسف، وجدنا فى هذه الأزمان من يتجاوز مع أبويه بشتى الطرق، ويعارض ويتعدى عليهما بالشتم والضرب والركل، ثم وصل الحال إلى أن يقوم كثيرون بقتل آبائهم وأمهاتهم، فى جرائم بشعة ترفضها الفطرة الإنسانية.
وبمناسبة الذبح، فقد انبرى نشطاء «حموم الحيوان» فى السنوات الماضية واحتجوا على الأضاحى، باعتبارها «جريمة» ضد الحيوان وتعذيبًا له، وبكل بجاحة يدافعون عن حقوق يختلقونها من بنات أفكارهم المريضة، وتظهر نواياهم السيئة، بمحاولات تكدير صفو الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة التى تأتى مع واحدة من العبادات الجليلة، وهى فريضة الحج.
وقد أصاب هؤلاء وأولئك الخرس والصمم والعمى، وينتمون إلى منظمات مغرضة تدعى أنها تحمى وتدافع عن حقوق الإنسان، وهم يرون الوضع فى غزة والمذابح البشرية المستمرة منذ عشرين شهرًا ولم تحرك عندهم ساكنًا، مما أكد أن أهدافهم خبيثة، وتسعى لتخريب البلاد التى يتقصدونها، فلم نجد منهم استنكارًا على مذابح الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، لم يعلق واحد منهم على تلك الطبيبة التى فقدت أبناءها الأطفال التسعة فى لحظة، وبعدها بأيام لحق بهم زوجها شهيدًا.
ولم يكن هناك فرق بين هؤلاء وبين الإخوان المتأسلمين، ولا تلك الجماعات التى تحمل أسماء إسلامية، فكلهم يعملون من أجل المشروع الصهيونى وبشكل مفضوح، يعيثون فى البلدان الإسلامية فسادًا، يقتلون ويذبحون البشر، لا فرق بينهم وبين الصهاينة السفاحين.
عسى الله أن يخفف عن أهل غزة وينقذهم من الآلة الإسرائيلية الغاشمة التى تحصد الأرواح، وتستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ويرفض المجرم الأكبر نتنياهو كل المبادرات من أجل إشباع نهمه فى سفك المزيد من الدماء.