إن توثيق التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع عن طريق معلومات سجلت لشارع شهير قديم مازال موجوداً ويرتاده المصريون فهذا يعنى الكثير من الذكريات التى ترتبط فى أذهان عدة أجيال من مختلف الطبقات الاجتماعية، ومما لا شك فيه أن هناك دلالات كثيرة ساهم الاعلام فى ترسيخها لدى المواطنين. وحديثنا اليوم عن شارع محمد على الذى لعب دوراً اجتماعياً وفنياً وسياسياً فى التاريخ المصرى بخلاف عدد من الأدوار التى جعلته مقصداً للسائحين وقبلة للباحثين فى التراث والحضارة الإسلامية. وشارع محمد على يطلق عليه شارع الملوك وقد أنشأه محمد على باشا فسمى باسمه ويبدأ من جامع النصر الأثرى فى ميدان القلعة وينتهى بميدان العتبة الخضراء بطول ٢ كيلو متر، قام بتخطيطه المهندس الفرنسى هوسمان الذى خطط شارع ريفولى فى باريس فى عهد الخديو إسماعيل ويردد الأثريون انه بدأ التفكير فى إنشائه عام 1811 مع إحكام محمد على قبضته على السلطة وتخلصه من المماليك حيث بدأ الناس فى التردد على المنطقة للسكن. وقد اختلف المؤرخون على التاريخ الذى أصدر فيه الخديو فرماناً باختطاط الشارع، وكان الغرض من انشائه وصل قصر عابدين بقلب القاهرة. الملفت للنظر أن هذا الشارع الذى عرفه المصريون بأنه شارع الفن والآلات الموسيقية وصناعها اكتسب أهمية نظراً إلى ما يحيط به، الأوبرا الخديوية التى أنشأها الخديو إسماعيل وعلى مقربة منها منطقة الأزبكية التى ضمت المسارح الفنية ومقاهى وكازينوهات أهل الفن والمغنى وشارع عماد الدين الشهير بدور السينما والمسرح. وفى عام 1860 خرج من الشارع العديد من الفرق الموسيقية التى حظيت بشهرة كبيرة ومنها فرقة حسب الله الذى أسسها محمد حسب الله الذى كان أحد افراد فرقة السوارى فى عهد الخديو عباس حلمي، وكان حسب الله موسيقياً مبدعاً حصل على الباشوية بمنطوق سام من الخديو إسماعيل لأنه أحب موسيقى فرقة حسب الله ومنذ ذلك الوقت اصبح مؤسسها الباشا من الأثرياء لدرجة أن حذاءه كان مصنوعاً من الجلد المرصع بحبيبات الذهب. وهكذا تحول الشارع إلى قبلة الفن والفنانين واصبح جزءاً من حكايات السينما والدراما وكان أبرز الأفلام التى عبرت عن علاقة الشارع بالفن فيلم شارع الحب الذى لعب بطولته عبدالحليم حافظ وصباح، وخلى بالك من زوزو لسعاد حسنى وحسين فهمى ومسرحية شارع محمد على لشيريهان والعديد من الأفلام القديمة حيث أخرج نيازى مصطفى عام 1944 فيلم شارع محمد على الذى ألفه أبوالسعود الابيارى ولعبت بطولته حورية حسن ومحمد كمال المصرى الشهير بشرفنطح وميمى شكيب وفردوس محمد وعبدالغنى السيد. ويقال إن مكان هذا الشارع كانت توجد مدافن عرفت باسم «ترب الأزبكية» و«ترب المناصرة» ولكن الحكومة قامت بنقل رفات الموتى إلى مقابر أخرى واشترت المحال والمبانى الموجودة من أصحابها لإنشاء الشارع وبدأ ديوان الأشغال فى شق الشارع تحت إشراف على باشا مبارك وأقيمت العقارات المطلة على الشارع فوق بوائك «أعمدة متتابعة على خط مستقيم تحمل عقوداً من أعلاها لتحمل السقف وتظلل الرصيف من الجانبين» لتوفير مظلة للتجار والمترددين لحمايتهم من الشمس والأمطار. ويحتوى الشارع على أهم المعالم مثل المتحف الإسلامى ومسجد الأمير قيسون ودار الكتب التى أقامها الخديو إسماعيل وحمام بشتك وسوق السلاح والمناصرة الذى يحتوى على محلات الموبيليات. ويضم الشارع أحد المحلات التجارية المعروفة أو ما يطلق عليها ورشة «جميل جورج» الشهير بصناعة العود والذى قام بصناعة أعواد موسيقية للعديد من مشاهير الموسيقيين العرب ومنهم فريد الاطرش وشفيق جلال ومحمد عبدالوهاب. كما يوجد بالشارع ايضاً متجر «صوت الموسيقى» حيث يحتوى على عود موسيقى عمره أكثر من 3500 سنة يعود إلى بلاد فارس وهو منحوت من قطعة من الخشب الرقيق الذى لم يكن معروفاً عند العرب الذين اشتهروا بالآلات الوترية. وفى إحدى الفترات أصبح شارع محمد على ساحة للتنافس بين القوى السياسية المختلفة فقد كان محمد نجيب وعبدالناصر حريصين على المرور فيه لاستعراض سلطة العسكر. وبطبيعة الحال لم يرغب حسن البنا والإخوان المسلمين ترك هذه المنطقة وحرصوا على التواجد فى الشارع للسلطة فكان حسن البنا يصلى الجمعة فى جامع طوسون ويقول الخطبة وخرجت جنازته بعد اغتياله منه. كما خرجت جنازة الملك فؤاد وسعد زغلول باشا منه. ويظل شارع محمد على حتى الآن يحمل بين تفاصيله تاريخ وذكريات الفنانين الكبار والسياسيين.