يخجل الكثيرون من طرح أسئلة يغلب عليها طابع المكاشفة والخروج على المألوف ويظن هؤلاء أن دخولهم فى بعض المناطق بأسئلة وتساؤلات من خارج المنهج قد تصل بهم إلى مناطق نائية عن جغرافية الحكمة والعقول الراجحة، يتوقف البعض عن إلقاء الأسئلة المهمة والصعبة ويفضلون الصمت التام، لكن نظراتهم المترددة وشفاههم التى تشتاط غضبا من حرمانها الاختيارى من الحديث وإلقاء الأسئلة فى سياقات الحوارات والنقاشات، هؤلاء المنسحبون من مباريات الحياة دون مبرر، عندما تجالس أحدهم ويبدأ فى النقاش معك بطريقة «ما بال أقوام» ويبدو مترددا خجولا فى البداية ثم يعبر عن امتعاضه وغضبه من حديثك حتى ولو كان مسائل رياضية لا تحتمل الرؤى والآراء، وعندما تبتسم وتضحك متسامحا ومحتوياً وتجد لهذا السلوك المبرر وتترفع عن الدخول فى مبارزات لا طائل منها، تجد هؤلاء وقد تحولوا تماما ولا ترى أمامك إلا استدارة كاملة ويتبعها الاعتدال فى الحديث وصولا إلى حالة الاتزان والتوازن، هنا يتلاشى وهم الخلاف غير الموجود وتتبدد سحب الانطباعات المسبقة الخاطئة، تجد أمامك شخصا طبيعيا لا يحمل أحكاما مسبقة، هنا تبدأ الأسئلة السطحية، ما فائدة العاصمة الجديدة؟ ألم يكن من الأولى أن نستخدم تلك الأموال. فى بناء المدارس والمستشفيات؟ وما أهمية العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وكل ما هو جديد؟ ولماذا الإصرار على ازدواج وتوسعة قناة السويس؟ لماذا أفرطت الدولة فى مشروعات الطرق والكبارى والمحاور الضخمة فوق النيل؟ لماذا توسعت الدولة فى إنشاء الموانئ والمطارات والمناطق اللوجيستية؟ لماذا انشأت الدولة كل هذه المحطات الكهربائية؟ ولماذا التوسع فى مشروعات معالجة المياه وتحليتها؟ لماذا أنفقت الدولة كل هذه المليارات على تنمية سيناء وإقامة انفاق تحت القناة؟ هذه الاسئلة كانت تحتاج إجابة جارحة وكلمات قد تخرج عن السياق الذى أريده للحوار، لكننى ابتسمت دون سخرية واعتدلت فى جلستى وامسكت بيد محدثى وقلت له بحق كل ما يمكن القسم به، هل حقا تنتظر منى اجابات على هذه التساؤلات الدرامية المكررة والمملة والتى أجيب عنها مرارا وتكرارا ومن كل الزوايا؟ هل تسأل حقا كى تعرف؟ أم تسأل لتعبر عن رفضك أو اعتراضك؟ أم أن الاسئلة المطروحة لأجل تبرير الابتعاد عن قطار الدولة والانسحاب طواعية تحت مظلة خلافات فى سلم الأولويات؟ بحق السماء هل تؤمن بما تقول؟ هل مازالت هناك اسئلة يمكن ان تكون فى موضعها خاصة بكل هذه المشروعات العملاقة التى تمت بكلفة اجمالية تزيد على 10 تريليونات جنيه انفقت خلال عشر سنوات، رفعت نسبة المعمور فى مصر من 7٪ إلى 14.7٪؟ بيد أن السؤال المغرض لا يحتاج إلا اجابة جارحة وأنا هنا وفى هذا الموضع أتعفف عن جرح مشاعر أحد حتى ولو كانت الحماقة مذهبه، يبدو أن عدم اندفاعى فى الإجابة عن هذه التساؤلات الضحلة وعدم سقوطى فى مستنقع الجدال والمراء، يبدو ان محدثى قد أفزعته حكمتى وشتته ابتسامتي، وعندما قلت له أثق فى ضميرك وعليك بسؤاله والاحتكام اليه، هنا استيقظ صاحبى على حقيقة مزعجة وهى انه مصاب بداء التفاهة وما كان ينبغى ان يكون كذلك، فكان بين خيارين، الأول أن يعترف انه كان على خطأ وبالتالى جاءت اسئلته بهذا الشكل الخجول، أما الثانى فكان محاولة أخيرة للذهاب بى إلى منطقة أخرى من مناطق الجدال، وقد كان الجدال أكثر سهولة بالنسبه له، قال بسرعة ما علينا من هذه الموضوعات «وانت مين هيغلبك فى الكلام ده» قلت انت تعرف أكثر منى أن ما جرى فى مصر معجزة بكل المقاييس، لكنك وارجو ان تتقبل منى ذلك بصدر رحب « تخجل أو تتكبر من الاعتراف بالخطأ .. خطأ احكامك السابقة على كل تلك المشروعات وخطأ هجومك عليها دون علم ،وبادرته ماذا لديك أيضا، قال سد النهضة والسودان وغزة وليبيا ! قلت ماذا تقصد؟ هل يعجبك الوضع فى هذه الملفات؟ قلت بالتأكيد لا يعجبنى ما يجرى فى غزة ولا السودان ولا ليبيا ولا يعجبنى السلوك الإثيوبي، وبالمناسبة الدولة الرسمية والشعبية كذلك لا يعجبها كل ذلك وقد خرجت الجماهير أكثر من مرة للتعبير عن ذلك، واضفت الدولة تتحرك على كل هذه الملفات بحكمة بالغة وصبر استراتيجى فى ظل أوضاع شديدة الخطورة والتعقيد، بادرته محتدا ماذا تريد هنا؟ وماذا تتوقع من الدولة اكثر مما تفعل؟ هل تريد للدولة ان تخوض حروبا على كل الجبهات؟ قال لا بالطبع ولكن، قاطعته قائلا «لعن الله لكن وكل ما شاق منها بمكان».