يقصد الأزهر الشريف جامعًا وجامعة أصحاب المنهج الوسطى المعتدل من كل حدب وصوب من شتى بقاع المعمورة، بغية التزود من فيض العلم ومجالسة علمائه ذوى الألباب والفكر المستنير فى سائر العلوم الشرعية والعربية والثقافية، ومن ثم تتشكل الأفهام الواعية وتصبح سفراء فى بلدان ودول العالم، لتنشر الفكر القويم وتحارب منحرفيه ومتطرفى الرؤي، فتزداد الأرض ضياءً وتنتشر قيم السماحة والسلم والسلام والمحبة والأمان فى عالم مليء بالظلم والظلام والضلال والانحراف عن مسار الإعمار.
ونربأ بمن يحاولون التقليل من دور تلكم المؤسسة العريقة العظيمة المكنون والمكون، فدورها على مر التاريخ الغائر مشرف فى محاربة الفكر غير المعتدل، حيث إنها المؤسسة الوحيدة التى تمتلك الأدوات والتى بها تواجه كل إنحراف ومحاولات تشويه أو طمس للهوية الوطنية أو الإسلامية على السواء، فحب الأوطان وتماسك نسيجه وبناء أركانه وإعماره والحفاظ على مقدراته المادية منها والبشرية من أولويات رسالة الأزهر صاحب شعاع النور والضياء فى العالم قاطبة.
وللأزهر صاحب الرسالة السامية دوره الرائد فى مواجهة ومحاربة الفكر الضال، بل والعمل على حل قضايا المتناقضات فى العالم بأسره، حيث إنه المرجعية الرئيسية التى تتوقف عندها مرجعيات العالم مهما شاع ذيوعها وامتلكت من المقومات، فللمؤسسة الأزهرية تفرد يقوم على مبدأ راسخ لا تزحزح عنه ولا تشوبه شائبة على مر الأزمان وتعاقب أجياله، ألا وهو حفاظه على الوسطية وأصوله وثوابته المستمدة من كتاب الله العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهجية أصحابه ووسطية مذاهبه التى راعت تغيرات الزمان والمكان.
إن من ينهل من فيض علم ونبغ علماء الأزهر يتمتع بالأمن والاستقرار النفسى ويمتلك مقومات الحفاظ على الطبيعية الإنسانية التى تحمل الخير بين جنابتها، إذ يعى مقاصد الشريعة السمحاء ويعمل بمقتضاها ليصبح أداة للإعمار لا معول للهدم والتخريب فى ميقات تعالت أصوات أصحاب الفكر المتشدد ومن على شاكلتهم ممن يرغبون النيل من وسطية العقيدة ومؤسساتها الشريفة عبر عالم مفتوح غير منضبط.
سيظل هذا الصرح الشامخ عظيم المكانة والقدر والمقدار على مر التاريخ عامرًا برجاله ومنتسبيه ممن يحملون على عاتقهم بث رسالتهم المنسدلة من منهجه القويم النقى الذى يفوح منه طيب الكلم ويتمخض عنه نبل القيم ويشيع منه ما يجعل الوجدان فى مستقر ومأمن يوجه السلوك للطريق المستقيم، ويقى الناس بغيض شرور الفكر من أصحاب الأجندات والغايات غير الحميدة، فيحافظ على صحة وسلامة ماهية الفكر والعقيدة، ويزيد من اللحمة الاجتماعية، ويرفع من قدر ومقدار الأخلاق لدى العامة والخاصة، ويوعى المجتمع بدوره تجاه وطنه والاصطفاف من خلفه وقيادته السياسية، ويحفز الجميع على العمل والإخلاص فيه بغية الوصول لحد الإتقان لتحدث النهضة الاقتصادية ببلادنا العزيزة.
وبلسان مبين نقول إن أزهرنا شريف المكان والمكانة والمقصد والغاية سيظل مدافعًا عن منظومة القيم الحميدة التى تحافظ على النسيج المجتمعى من التفكك وضياع وطمس الهوية مهما بلغت التحديات وتعالت أصوات الغى والفساد والانحراف، فالرسالة جلية وهى العمل بقصد على خلق جيل تلو جيل يمتلك المقدرة على الإعمار والعطاء ليبنى ويعمر وينهض بوطنه ويستطيع أن يخرج ما بين جنباته من أفكار مبتكرة تفيد البشرية جمعاء، فقد غدى غرس البنى الفكرية القويمة لدى أبنائنا هى سياج الأمن والأمان والاستقرار والتى تشكل مقومات الإعمار والنهضة على السواء.
نؤكد أن الأزهر سيظل منارةً متقدةً ملهمة مضيئةً للبشرية جمعاء لا تنقطع جهودها حيال تجديد الفكر وتصويب المغلوط منه فى ضوء إستراتيجيات وطرائق سمحة ومنهج قويم راسخ الأصل والأصول يستهدف دومًا إخماد أو إطفاء نار الغلو والفتن التى تبغى التفرقة، فالحق والثابت أن الرسائل السماوية لا تفرق بين البشر، وتدعو للوحدة والرباط ليحيا العالم فى سِلْم وسلام، لتتمكن الأجيال تلو الأجيال من مواصلة التقدم والإعمار، بما يحقق الغاية من الاستخلاف فى الأرض.
وختامًا نشير إلى أن منهج منارة الأزهر تجعل الإنسان معتزًا بذاته، لا يقبل الخنوع والاستسلام والذل والخضوع، ومن ثم يحافظ على هويته وقوميته وكينونته التى خلقه الله عليها، فمن أهدافه العليا تعضيد ماهية العزة والكرامة والحرية المسئولة ونبذ القبيح وحب الفضيلة والسماحة، والأخذ بسبل الحكمة والموعظة الحسنة التى يتقبلها العقل ويخفق لها القلب.
حفظ الله الأزهر شعاع النور ومنارة الوسطية، ووطننا الغالى وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.