أرملة جميلة صغيرة رسمت الدموع على خدها الغض خطوطا غائرة.. وجهها الطفولى كسته آثار المأساة التى عاشتها بظلالها الداكنة و اكسبته ملامح حزينة ولكنها لم تخف فتنته و جماله.. لقد عاشت تجربة نسائية نادرة.. ماذا يمكن أن تصنع سيدة فى سن لم يتجاوز السابعة عشرة وسط كل هذا الغدر..وقداختفى من مسرح الأحداث أمها نفرتيتي، وشقيقتها مريت آمون ولم يبق غير شخوص المؤامرة وعرش يطمع فيه كل طامع.
إنها الملكة «عنخس – آن– آمون» حفيدة الملك «أمنحوتب الثالث»، ذلك الرجل الذى طغت شهرته كمحب للعذارى على شهرته الملكية وجدتها الملكة المسيطرة «تي»، وأمها الملكة الجميلة «نفرتيتي»، وأبوها الفيلسوف الشاعر الموحد الداعية «إخناتون»، الذى قلب المائدة على كهنوت اللاهوت المصرى وهز عرش الأمونية بدعوته لعبادة الإله الواحد الذى ليس بينه و بين العباد واسطة ولا كهنوت «آتون»، وهجر عاصمة الأجداد «طيبة»، إلى مدينة «أخيتاتون»، هناك قريباً من الأشمونين بمحافظة المنيا حيث عاش النبى «إدريس»، –عليه السلام– وجعلها عاصمة ملكه و مقر مناجاته ومركز دعوته بعيداً عن تأثير كهنة آمون ومؤامراتهم.
كان يمكن لنجم الأتونية أن يسطع لولا اشتراك الملكة الأم «تي»، وشقيقها الطامع فى العرش العجوز «آي»، مع كهنة آمون فى تقويض دعائم الدعوة الجديدة و النيل من الداعية الذى مات ولم يعثر أحد على جثمانه و يرجح أنه مات ضحية هذه المؤامرة ، ثم عمها وزوج شقيقتها «مريت آمون» الملك «سمنخ كارع»، أحد أقطاب المؤامرة على أباها و الذى لقى حتفه ولم يتجاوز الرابعة و العشرين من عمره.. ويرتقى زوجها «توت عنخ آتون» العرش طفلاً فى الحادية عشرة و يصبح العوبة جدته «تي»، والعجوز «آي» ومن ورائهم كهنة آمون فيعتذر عن الأتونية ويتهم حميه بالمروق ويعود إلى طيبة من جديد حاملاً اسم «توت عنخ آمون»، ولكنه و بعد أداء الدور الذى رسم له يسلم من غزو المتآمرين ولقى حتفه أيضاً و هو دون العشرين.
خلف لنا «توت عنخ آمون»، صوراً و آثاراً تفيض بسالة وإقداماً، وتتدفق حباً و حناناً تلمس فيها عاطفة العاشق ووله الزوجة المغرمة الوفية، وبأس الملك الصغير الشهم.. ففى إحدى هذه الصور نرى الوفية الشابة «عنخس آن آمون»، تتحسس بيدها صدر زوجها الشاب تعطر ما أحاط به من ثياب، وتعدل ما شذ عن معيار الهندمة والتنسيق من ملابسه.. وفى رفق وحنان واعجاب حتى لا يغادر بعلها حجرته الخاصة ليرأس اجتماع مجلس البلاط.. إلا فى أتم زينة و أجمل رونق.
مات الفرعون الصغير «توت عنخ آمون»، وعمره لم يتجاوز 19 سنة، وفى ظروف تؤكد أن شمس الأسرة الثامنة عشرة قد مالت وأو شكت على المغيب.. قامت أرملته بارتكاب إحدى حماقات النساء حين يجدن أنفسهن فى مهب الريح والأعاصير.. فقد أرسلت خطاباً سرياً إلى «شوبيلوليوما»، ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل لها أحد أبنائه لكى يتزوجها ويجلسان معاً على عرش مصر.. وكادت المؤامرة النسائية أن تتم لولا اكتشاف الأمر.. فقام بعض المصريين بقتل الأمير الأجنبى الذى كان ينوى أن يصبح فرعوناً على البلاد، وذلك قبل أن تطأقدمه الحدود المصرية ولو لبضع خطوات.