باقية مصر مهد الحضارة والمدنية، وراية الأديان السماوية، فهنا ولد وشب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له النور الإلهي، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سيناء، وهنا احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام، ومنها تزوج خليل الله إبراهيم، وفيها عاش نبى الله إدريس، وتزوج من نسائها خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام وأنجبت له زوجته المصرية ولده الوحيد من الذكور. ولطالما كانت تلك الأرض مطمعا للغزاة، فهى كما قال فيها نبى الله نوح وهو يدعو لحفيده – مصر بن حام بن نوح عليه السلام –، «اللهم بارك فيه وفى ذريته وأسكنه الأرض المباركة (وهى أرض مصر)، والتى هى أم البلاد وغوث العباد ونهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات». تصدى أبناء الوطن الشرفاء، للطامعين، ببطولات خالدة فى الدفاع عن الأرض والعرض، قديمة منذ بدأ التاريخ، بل وبدأت قبل التاريخ ذاته، ومنها استشهاد الملك المصرى «سقنن رع» عام 1539 قبل الميلاد، أثناء دفاعه عن أرض الوطن، وبعد استشهاده استطاع أصغر أبناءه الملك «احمس» أن يحرر مصر من الهكسوس المستعمرين، وطردهم وأخرجهم من البوابة الشرقية التى جاءوا منها. استمرت محاولات الأعداء لاحتلال أرض الفيروز، سواء فى العصر القديم، أو فى العصر الحديث كحروب «1956 فى العدوان الثلاثي، و1967، حتى انتصارات أكتوبر المجيدة 1973». ولا يمكن لمصرى أن ينسى تضحيات الأبطال على مر العصور، وفى مقدمتهم الشيخ سالم الهرش، بطل الحسنة، ففى أكتوبر 1968 حاول العدو تحريض أهالى سيناء على الاستقلال بها، والإعلان عن دولة سيناء وحشد فى سبيل ذلك كل طاقاتها لتحقيق حلمهم فى نزع سيناء من مصريتها وعروبتها، وسعيا وراء الهدف التقى وزير دفاع العدو عددا من مشايخ سيناء لإقناعهم بفكرة تحويلها إلى دولة مستقلة. وعلمت السلطات المصرية بتفاصيل المخطط، وقررت مواصلة خداع ومجاراة الأعداء، ووافقت دول عديدة على دعم القضية فى حالة موافقة أهل سيناء على التدويل فى مؤتمر عام يراه العالم كله. وفى 31 أكتوبر عام 1968 أعد العدو عدته لإعلان سيناء دولة منفصلة وحشد وزير دفاعهم عدته، وتوافد العشرات من وكالات الأنباء والقنوات العالمية وكبار قيادات العدو بمنطقة الحسنة من أجل اللحظة الحاسمة. وتم تفويض الشيخ سالم الهرش من شيوخ القبائل للحديث عنهم فقال: أترضون بما أقول؟ فقالوا: نعم. وبينما ينتظرالعدو لحظة التدويل قال الهرش: إن سيناء مصرية وقطعة من مصر ولا نرضى بديلا عن مصر وما أنتم إلا احتلال ونرفض التدويل وأمر سيناء فى يد مصر، سيناء مصرية مائة فى المائة ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه. لينفض المؤتمر، ويقوم المحتل بإجراءات قمعية عنيفة ضد السكان واعتقال 120 من شيوخ القبائل، أما الشيخ سالم الهرش، فقد تم إخراجه فوراً من المؤتمر، ليصل خلال سويعات قليلة إلى أرض الأردن الشقيق، ومنه إلى مصر، وما هى إلا أيام قليلة ويظهر البطل أمام الرئيس جمال عبدالناصر، فى مقر الرئاسة ويقوم الرئيس بتكريم الشيخ سالم الهرش ويهديه نوط الامتياز من الطبقة الأولي، ولتظل الذكرى إحدى احتفالات قواتنا المسلحة فى 31 من أكتوبر كل عام. واتبع انتصارات 1973محاولات عديدة لاختطاف سيناء، كلها بالأسلحة غير التقليدية، فمنها محاولات تزويج أبناء سيناء بإسرائيليات الجنسية عام 1996، وتصدى لذلك شيوخ سيناء العظام، وإعلان سيناء إمارة إسلامية تتبع لخليفة الإرهابيين عام 2012، ولولا ثورة المصريين وخلعهم للمتأسلمين فى 30 يونيو 2013، لما استطعنا الحفاظ عليها، وفى أبريل 2020 حاول البعض ترويج فكرة تدويلها من خلال مقالات مغرضة، وكعادة المصريين تم إيقاف المخطط الخبيث. وبين تلك الأحداث تظهر معادن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من رجال الجيش والشرطة، فراحوا يجودون بأرواحهم من أجل الأرض الغالية، مرات ضد جيوش العزاة وأخرى ضد ذيولهم من الإرهابيين والتكفيرين، ولنحيا سويا هذا العام مع الأمن والأمان فى ذكرى تحرير سيناء، الموافق 25 أبريل من كل عام، عندما اكتمل التحرير برفع علم مصر على طابا آخر بقعة تم تحريرها من الأرض المصرية عام 1989. وليعود الجزء الغالى لباقى الأرض المباركة التى قال فيها تعالى «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»، صدق تعالي.. وللحديث بقية