الإسلام دين العمل والإنتاج والإتقان ، لا يعرف التواكل ولا البطالة ولا الكسل ، ولا يقبل لأبنائه أن يكونوا عالة على غيرهم ، والغني الشاكر مقدم على الفقير الصابر ، وخير الناس من يأكل من جهده وعرقه وعمل يده .
و من سنن الله (عز وجل) الكونية إجراء المسببات على الأسباب، فمع يقيننا أن الأسباب لا تؤدي إلى المسببات بذاتها إنما بإعمال الله (عز وجل) لها، وإجرائه سبحانه للمسببات على أسبابها ، فإن نؤمن بأن من سننه سبحانه وتعالى الكونية أن من يجتهد ينجح، ومن يزرع يحصد ، وأن من يأخذ بأسباب العلم ويجتهد فيها ويتقن عمله تتحقق له النتائج أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، حيث جاء قول الحق سبحانه وتعالى: «إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» (الكهف: 30) عامًّا مطلقًا في كل من أحسن في أمر دينه أو أمر دنياه.
ديننا دين العمل والإتقان والأخذ بالأسباب، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» (الملك: 15)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ اللهَ يحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكم عملًا أنْ يُتقِنَه» (رواه الطبراني)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه» (رواه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ» (رواه البخاري)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ توكلْتُمْ على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِه لَرَزَقَكُمْ كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِماصًا وتَرُوحُ بِطَانًا» (رواه الترمذي) ، فالطير لا تمكث في أعشاشها وتطلب الرزق، بل تسعى تغدو وتروح باحثة عن رزقها ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) :»السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ « (رواه البخاري) .
ومن سنن الله (عز وجل) الكونية سنة التمكين لمن يتقي الله سبحانه ويأخذ بالأسباب، حيث يقول الحق سبحانه: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور: 55) فإنهم لم يؤمنوا فحسب بل آمنوا وعملوا الصالحات في أمر دينهم وأمر دنياهم ، ويقول سبحانه: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» (الصافات: 171-173) ، وجند الله هم من يحققون ويطبقون منهجه سبحانه إيمانًا وعملا كما أمر سبحانه ، ويقول سبحانه: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (العنكبوت: 69) والمجاهدة تشمل كل ألوان المجاهدة بما فيها السعي على الكسب الحلال وكل وجوه الطاعة مع الكف عن المعاصي .
وجميع النصوص الواردة في هذا الشأن تجمع بين الإيمان والعمل، فالمؤمن مأمور بالإعداد والأخذ بالأسباب، حيث يقول سبحانه: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» (الأنفال:60).