حلمى زكى: بعزيمة الرجال وكفاءة الأبطال.. تحقق النصر العظيم
ما بين اليوم والأمس تظل ملحمة يوم السادس من أكتوبر هى الملهمة للتاريخ العسكرى الحديث وبها دروس وعبر حاضرة لا تنتهى ولا يختلف عليها أحد.
51 عاما مرت ولكنها تظل حاضرة فى الذاكرة الوطنية المصرية والعربية بأنها أعظم المعارك وأشرفها. . حرب أكتوبر واجهت غطرسة إسرائيل وأسطورة الجيش الذى لا يقهر بإرادة مصرية قوية وعزيمة لا تلين حولت وطن وأمة من لحظات انكسار إلى لحظات انتصار. . وما بين غطرسة الأمس واليوم المسافة ليست بعيدة والزمن قصير وما تحقق مرة يمكن أن يتحقق ألف مرة.. طالما هناك هذه القوة وهذه الإرادة.. وطالما هناك أبطال قادرون على تحقيق ذلك. . اجتمعوا على قلب رجل واحد ضاربين بفارق القوة والسلاح عرض الحائط. . خططوا واشتركوا فى ملحمة تاريخية تجمعت فيها كافة المبادئ الوطنية والقيم السامية وأسس النجاح والتميز من إرادة حديدية وإيمان بالله وثقة فى النصر والانتماء للوطن والولاء لتراب مصر العظيمة. . اجتمعوا على العقيدة القتالية السليمة والاعداد الجيد للمعركة والقناعة بأن النصر قادم لا محالة متحدين على التفانى والاخلاص والتضحية بالدم فى سبيل الوطن وهى كلها مبادئ وقيم سطرت أروع ملاحم التاريخ المصرى الحديث. . هذه الحرب المعجزة التى قهروا بصمودهم وشجاعتهم وإيمانهم بقدراتهم غرور العدو ومزاعمه الواهية حول خط بارليف «المنيع» الذى انهار تحت اقدام جنودنا البواسل وسط صيحات الأبطال «الله أكبر».. وقضوا على اسطورة الجيش الذى لا يقهر و أثبتوا أمام العالم قوة وشجاعة المقاتل المصرى وضعف وجبن الجندى الإسرائيلي. . فقهروا الغطرسة الإسرائيلية وكشفوا وحقيقتهم فى حرب أكتوبر المجيدة ولقنوهم درسا فى فن القتال لن ينسوه أبدا.
فى ذكرى حرب السادس من أكتوبر المجيدة التى استردت فيها مصر، بفضل أبطالها من رجال القوات المسلحة، الذين ضحوا بأرواحهم؛ سيناء الحبيبة، إذ استطاعوا خداع العدو فى حرب أكتوبر لتُلقب تلك الحرب بـ»المعجزة»؛ لما قدمه الجيش المصرى من خطط وقرارات حاسمة.
بهذه الكلمات بدأ العقيد حلمى زكى محمد، أحد الأبطال المشاركين فى حرب أكتوبر 73 حديثه والذى كشف خلال حواره عن تفاصيل اختيار ساعة الحرب، وخطة خداع العدو، وكيفية التعامل مع 22 نقطة حصينة منتشرة من بورسعيد إلى السويس.
قال تخرجت فى الكلية الحربية عام 1969، بعدها انضممت إلى الصاعقة؛ لألتحق بعد ذلك بسلاح المشاة، وكانت التدريبات تصل إلى 16 ساعة يوميًّا، استغرقت نحو 5 أشهر بعد ذلك تم التدريب على الذخيرة الحية؛ سواء أكانت دبابات أم مدرعات، إذ تحمَّلنا تلك التدريبات بحب؛ لأننا كنا على يقين تام أن مصر ستحارب إسرائيل لاسترداد سيناء مرة أخري، فما اخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة وهذا كان الهدف الأساسى والرئيسى من التدريب. . كان قائدي، آنذاك، الرائد محمد الشافعي؛ وكان يزرع بداخلنا الحب والانتماء للوطن والقيم، عشنا فى تلك السرية التى كان يقترب قوامها من الـ100 فرد عام 1973 قبل الحرب. . كنا نقوم بتدريبات متتالية فى الضفة الثانية وعمليات الاستطلاع عن طريق تسلق الأشجار الموجودة، وكنا نرى منطقة سيناء لنتشبع بها؛ مما أعطانا دفعة كبيرة لتحريرها وتخليصها من ايدى العدو. مشيرا إلى انه دون الخداع لا تستطيع أن تكسب الحرب ولا بد أن تخدع العدو.
التجهيز للحرب
جاء يوم 5 أكتوبر وكنا على يقين أن هناك حربًا، وبدأنا فى تجهيز القوارب وصرف الذخيرة، بكل أنواعها؛ للجنود وصف ضباط والضباط.
بعد ذلك جاءت تعليمات بالسماح بالإفطار فى رمضان؛ مما أكد للجميع بنسبة 100 ٪ أن هناك نية للحرب، وكانت بمثابة نقطة تحول مهمة؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يتحمل أن يعطى أمرًا بالإفطار، حتى لو كان مفتى الجمهورية، إلا فى حالة وجود عمليات عسكرية.. جلسنا يوم 5 أكتوبر نستنتج موعد الحرب، واتفقنا جميعًا أن الحرب ستكون يوم 6 أكتوبر فى أول الضوء أو آخر الضوء؛ نظرًا لأن جميع الحروب السابقة كانت فى أول الضوء أو آخر الضوء، لكن كان من ضمن المفاجآت للعقيد صلاح نحلة، أنه تم اختيار الموعد الساعة الثانية ظهرًا.
خطة الخداع
تضمنت خطة الخداع للوحدات الصغيرة لعب كرة القدم، ومجموعة أخرى لصيد الأسماك، ومجموعة أخرى لنشر ملابسها؛ لينعكس إحساس للجانب الآخر أنه ليس هناك أى شيء للحرب.
مادة النابالم
قال إنه كان من ضمن الموانع والعقبات التى تعرضنا لها اثناء الحرب «النابالم»؛ وهى شبيهة بالطحينة يتم وضعها فى خزنة صغيرة الحجم «النابالم» بعد إطلاقه فى الهواء يشتعل مباشرةً؛ إذ كان العدو يمتلك 22 نقطة قوية منتشرة من بورسعيد إلى السويس؛ بكل نقطة خزان نابالم تخرج منه ماسورة ممتدة إلى قناة السويس، وفى حالة العبور يستطيع أى عسكرى إسرائيلى فتح النابالم فى قناة السويس، وبالتالى تصبح القناة نار الله الموقدة
وكان هذا هو اخطر ما يمكن ان نتعرض له كيف نعبر القناة فى ظل وجودة مادة خطيرة جدا مثل النابالم وهنا ظهر دور الجنود البواسل من رجال القوات المسلحة الذين ابهروا العالم حيث قاموا باختراق تلك الخزانات وسدها بمادة أسمنتية حديدية تم اختبارها قبل وضعها فى مواسير النابالم، وفى يوم 6 أكتوبر، تحديدًا الساعة الحادية عشرة صباحًا، جاء مظروف به معلومات تفيد أن الحرب الساعة الثانية ظهرًا بعد ضرب الطيران. . بعدها بدأنا فى تجهيز الأسلحة وشاهدنا نحو 220 طائرة على طول الجبهة لضرب الصواريخ والمدفعيات التى يستطيع العدو استهدافنا بها، وشاهدنا الانفجارات ورائحة البارود، وبعد عودة الطائرات بدأت 2000 ماسورة مدفع على الجبهة فى ضرب العدو.
وفى تمام الساعة 2:10 حملنا القوارب التى تستقل 10 أبطال من رجال القوات المسلحة، وعبرنا قناة السويس؛ إذ استغرقت عملية عبور نحو 200 متر نحو 10 دقائق، وساعدنا فى اختراق الساتر الترابى السلم الخشبي.
لحظة المواجهة
فى لحظة عبورنا، كنا نحمل القوارب المطاط بفرحة شديدة لا يمكن وصفها، وفى تمام الساعة 14:20، وبمجرد أن بدأت المدفعية فى الضرب، كنا نجرى بالقوارب من سعادتنا، وكانت الروح المعنوية داخل الجيش المصرى إلى ما لا نهاية.
أضاف «زكي» كان الموت غير موجود فى قاموس الجيش المصري، وأثناء موجة العبور الأولي، لم يكن هناك أى رد فعل من قبل العدو الإسرائيلي، بسبب النقاط الحصينة التى استطعنا تدميرها، عكس ما ادعوا أنها لن تُدمر إلا باستخدام قنبلة نووية.
بعد عبورنا للقناة شاهدنا سيارات ودبابات تسير بسرعة شديدة ناحية الشرق؛ لأن ثقافة الجندى الإسرائيلى هى عدم المواجهة؛ غير ثقافة الجندى المصرى الشجاع الذى يقاتل وجها لوجه لا يخاف دبابة ولايهاب الموت اما الجندى الاسرائيلى فهو يقاتل من داخل دبابة أو نقطة قوية، لكننا تعاملنا معهم بقوة وثبات واستطعنا تدمير وقتل الكثير منهم.
كلفت فى تلك الفترة بأن أعوّض الذخيرة المفتقدة؛ إذ كان قوام الكتيبة تقريبًا فى ذلك الوقت نحو 1000 ضابط وصف وجندي، وهو تشكيل حرب؛ إذ قررت العودة إلى منطقة الغرب فى وقت متأخر من الليل، وجهزت 5 سيارات ذخيرة؛ تمهيدًا لبناء الكبارى صباح الـ7 من أكتوبر من قِبل المهندسين العسكريين.
أضاف انه بعد اطلاق النار عليهم تفرقوا وبدأوا يستتروافى «تبة» مرتفعة.. وفكرت حينها أن نجاح المهمة يستلزم اما تأجيل الموقف أو اتخاذ قرار.
هنا خطر فى ذهنى أخذ السيارة «الجيب» وبها الـ6 دانات والالتفاف تجاه النقطة القوية؛ لإشغالهم عن الـ5 سيارات والتعامل معهم بمفردى فى السيارة، وبذلك أستطيع إنجاح المهمة.
اتفقت مع سائقى السيارات الخمس على ذلك رغم تخوفهم الشديد فى ذلك الوقت على حياتى من خطورة القرار والموقف؛ إذ رأيت سائقًا يبكى حرصًا منه على حياتي، قررت التحدث معه مؤكدًا له أن هذا واجبنا الوطنى تجاه وطن كبير اسمه «مصر»، وتم نجاح المهمة بتلك الطريقة، بعد اتجاهنا ناحية الشرق وإطلاق النار عليهم؛ لانشغالهم لوصول الذخيرة إلى الكتيبة.
يستكمل حديثه قائلا: نسبة بقائى حيًّا كانت 0 ٪. لكن على الرغم من ذلك تعمدت استكمال المهمة والخطة التى وضعتها، وبعدها انفجرت السيارة التى تحتوى على نحو 150 لتر بنزين و6 دانات، وعُدنا ناحية الساتر، ووقتها سمعت صوت السيارات المرسيدس وهى تتحرك فى ستر الدخان الناتج عن الانفجار، وبعدها تم التعامل معنا بمدافع نصف بوصة وطلقات حارقة وكل أنواع الذخيرة، إلى أن سمعت الضابط نادر يصرخ ويردد أنا أُصبت يا فندم.
كنت أحمل بندقية تحتوى على 3 خزن ذخيرة، وكلفت المجند بأن يحمل الضابط فى مكان آمن، وتم التعامل معى إلى أن أصبت بشظاياونزيف دم.
شعرت بعدها أننى فى اللحظات الأخيرة من حياتي، ولم أفكر فى أحد نهائيًّا فى ذلك التوقيت إلا مصر فقط، وان ارى سيناء محررة.
الشهيد الحى
تناقلت الاخبار لقائد الكتيبة بأننى استشهدت حملنى الضابط «محمد محمد بركات» على كتفَيه إلى أن وصلت الكتيبة ، وكنت واثقًا 100 ٪ أن هذه آخر أيامى فى القوات المسلحة، ومنذ تلك اللحظة لُقبت بـ»الشهيد الحي.
أكد العقيد حلمى زكى محمد، أن حرب السادس من أكتوبر كانت معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معني، مشيرا إلى أن خطة الخداع الاستراتيجى كان لها أثر عظيم فى تحقيق النصر.
قال إن عبور القناة بهذه البراعة يدل على روح العزيمة والإرادة التى كان يتمتع بها الجندى المصري، مؤكدا أن خط بارليف كان من أصعب الموانع على مستوى العالم بالنسبة للحروب التقليدية.
مضيفا أن 67 كانت بداية لحرب 73 ولولاها لما كانت حرب 73، وكسر اسطورة الجيش الذى لا يقهر.
وهنا أذكر فكرة اللواء سعد الشاذلي، رئيس الأركان الذى فكر فى بناء الساتر العالى فى مواجهة النقاط القوية حين بنى «مصطبة» فى الغرب أمام كل نقطة قوية، بحيث تصعد دبابتان فوقها، علاوة على فصيلة من مدافع الجرينوف، حتى تتعطل النقاط القوية سواء بالدبابات أو الرشاشات الثقيلة أثناء العبور.
أبطال لاتنسى
قال العقيد حلمى زكى ، إن هناك شخصيات أثرت تأثيرًا مباشرًا فى حرب 1973، أول هذه الشخصيات، هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى أخذ قرار الحرب، فلا يوجد رئيس دولة فى العالم كان يتخذ قرار حرب فى موقفنا وموقف إسرائيل كمقارنات، فبالأرقام والحسابات كان من المستحيل. موجها التحية لروح الفريق محمد على فهمى قائد سلاح الدفاع الجوي، والقائم على إنشاء حائط الصواريخ، لافتاً إلى أن كلمة السر فى انتصار أكتوبر المجيد، هو حائط الصواريخ، فلولا حائط الصواريخ لما كانت حرب أكتوبر.
كما وجه بالتحية لروح اللواء باقى زكى يوسف، صاحب فكرة فتح الثغرات من خلال اندفاع المياه بعد محاولات كثيرة لمكان مشابه للساتر الترابي، وقد تم التعامل معه بالطيران والمدفعية، ولم ينجح فى فتح أى ثغرة، لكنه كان صاحب الفكرة وقد كانت فكرة ناجحة بنسبة مئة فى مئة.
لواء درويش حسن:
الإعداد والتحضير للحرب.. الإنجاز الأعظم
العقيدة العسكرية لا تعترف إلا بالنصر أو الشهادة ولا قيمة لحياة الإنسان إلا بتحرير كامل ترابه الوطني، وهذه العقيدة هى التى دفعت المقاتلين إلى تحرير الأرض بأى ثمن حتى لو كان الثمن هو الاستشهاد فى سبيل ذلك.
هذه كلمات اللواء أركان حرب، درويش حسن درويش،زميل أكاديمية ناصر العسكرية رجل عسكرى من الطراز الأول، أفنى عمره فى خدمة بلاده وخدمة العسكرية المصرية، فكان أحد أبطال حربى الاستنزاف وأكتوبر.
بدأ حواره الينا قال: إن أعظم إنجاز فى نصر أكتوبر هو الإعداد والتحضير للحرب وكانت للدقة المتناهية فى التجهيز للحرب الفضل فى حمايتنا ورفع الكفاءة القتالية وتقليل الخسائر لأقل درجة ممكنة، سواء فى المصابين أو الشهداء.
ومن المعروف فى الجيوش أن أى وحدة تدافع عن الأرض تمكث بدون حراك فهى عرضة لأن تصاب بمرض الدفاع، ونتيجة لذلك انتبهت القيادات لهذا الموضوع، فكان يتم ترحيلنا كل فترة من مكان لآخر، ونعود للخلف كل 3 أشهر ويتم استدعاء وحدة أخرى من الخلف لتحل محل الوحدة.
حفاظا على اللياقة البدنية ومعلومات نظرية تخدم الحرب القادمة، وكان هناك إعداد للمعدة والسلاح والمركبة، وكان هناك إعداد للطرق والمدافع ومرابض النيران والدبابات، وإعداد المقاتل المصرى بالتدريب المتواصل ليل نهار والأخذ بالحكمة القائلة: «العرق فى التدريب يوفر الدم بالمعركة» فكان حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على تأهيل وإعداد المقاتل بكافة تشكيلات ووحدات الجيش على استمرار التدريب بكل عزيمة وإخلاص حتى كانت الكفاءة القتالية والروح المعنوية العالية والتى تجلت فى أبهى صورها خلال معركة أكتوبر العزة والمجد.
وكل هذا كان يطلق عليه إعداد مسرح العمليات، وكانت الدولة نفسها تعد للحرب فى هذه الفترة، من خلال الوزارات والهيئات المدنية التى لها علاقة مباشرة بالقوات المسلحة من وزارة النقل والطيران المدني، والدولة بأكملها كان يعد للمعركة المرتقبة.
وقال اللواء درويش دورى فى المعركة تمثل فى اننى كنت واحداً من مجموعة القيادة والتخطيط لـ «اللواء 16»، فالخطة كانت إن قواتنا المصرية ستعبر بالمواجهة فى الفاصل بين النقاط القوية؛ من أجل تجنب الاصطدام بالعدو، ونقلل قدر الإمكان من خسائرنا وبالفعل نجح الجيش المصرى فى العبور فى الفاصل بين النقاط القوية بنجاح، وخُصصت فصيلة من حوالى 30 – 35 جنديًا؛ بهدف حصار النقاط القوية التى كان من مسؤوليتنا الاستيلاء عليها وتدميرها وكنا ندافع على مسافة 300 إلى 500 متر فى مواجهة العدو.
أوضح: «كان فى القطاع الخاص بنا نقطتان قويتان «الديفرسوار الشمالية والجنوبية»، بغرض أن هذه الفصيلة تقوم بتحييد النقاط القوية خارج المعركة، وتمنع دخول أو خروج أفراد منها، من أجل استكمال عملية الهجوم بنجاح، بحيث يضعف ذلك من معنويات جيش العدو والكفاءة القتالية له.
كانت تخصص لنا المهام كمدرعات ومشاة تباعًا ومهام بشكل يومى عن طريق عقد هجوم على 4 إلى 5 كيلومترات ثم تطوير المهام بحسب أوامر القيادة العليا للقوات المسلحة، وكنا نواجه الدبابات ونمنع أى مدرعات للعدو والسيطرة على مساحات بعمق سيناء يصل إلى 12 إلى 15 كيلومتر.
أضاف اللواء درويش كانت الاشتباكات تهدأ بالنهار وتنشط ليلًا، حيث كان العدو الإسرائيلى ينتج جميع أشكال النيران سواء مدفعية أو طيران أو هاون أو رشاشات ثقيلة للتأثير على معنوياتنا وعزيمتنا القتالية وإزعاج قواتنا المصرية، وكنا نتبادل الأماكن ما بين التقدم لأداء مهامنا القتالية ثم العودة للخلف وتدخل كتيبة أخرى تتولى المهام، لنداوم على التدريب لما سيحدث فى الحرب المستقبلية مثل تجهيز القوارب للعبور ثم العبور بها فى موانع مائية شبيهة بقناة السويس ثم مهاجمة خط بارليف.
شبيه الساتر الترابى
اما عن اوقات تدريبنا والاستعداد للحرب فنجحت القيادات عندنا فى بناء ساتر ترابي، ونقاط قوية شبيه تمامًا بخط بارليف والوحدات تأتى من الجيوش ولها برنامج وخطة زمنية من كافة تشكيلات القوات المسلحة، وتتدرب على العبور واقتحام الساتر الترابى واقتحام خط بارليف.
وتابع، أن الساتر الترابى كان بارتفاع 25 مترا، وهو شبيه تمامًا بالساتر الأصلي، والجندى كان يحمل المدفع أو الرشاش، وكل ذلك شبيه بجو المعركة.
ساعة الصفر
وعن يوم العبور العظيم يقول اللواء درويش حسن إنه فى يوم 6 أكتوبر، وبالتحديد فى الساعة 12ظهرًا، علمنا أن الحرب ستبدأ بعد عودة الضربات الجوية لضرب أهداف فى عمق العدو ثم التمهيد النيرانى للمدافع ثم نتحرك كجنود مشاة تحت ستر نيران المدفعية الساعة 2.20 ظهرًا عبور أول موجة
كنا أول مرة نرى جنود وضباط للعدو ووقتها انتاب الجنود حالة من الثأر والانتقام ولكننا تمالكنا غضبنا وأسرناهم أحياء تمهيدًا لتسليمهم للمخابرات الحربية لاستجوابهم والاستفادة من معلوماتهم.
لواء طيار حسن راشد: حققت هدفى فى الضربة الجوية الأولى
حطمنا محطة صواريخ «هوك» للعدو شرق القناة
انطلقت مع دقات الساعة الثانية إلا خمس دقائق بتوقيت القاهرة، الطائرات المقاتلة المصرية عابرة قناة السويس فى هجوم خاطف لأكثر من 220 طائرة من عشرين مطارا فى وقت واحد، وبارتفاع منخفض تحت مستوى الرادار لتصب قاذفات الجحيم على العدو بالضفة الشرقية تدكه دكا ، وفى لحظات قليلة حاسمة انقضت نسور الجو بضراوة، مشهد لن ينساه من شارك فيه هكذا بدأ حواره الينا اللواء طيار حسن راشد، رئيس أركان القوات الجوية الأسبق والحاصل على وسام النجمة العسكرية فى حرب أكتوبر، ليروى لنا أخطر وأهم اللحظات خلال حرب أكتوبر المجيدة فى مشاهد لا تنسى من الذاكرة فكان هذا الحوار الشيق بمعلومات لأول مرة.
الضربة الجوية الأولى كلمة السر
تعد معركة أكتوبر هى معركة الانتصار على اليأس والإحباط بعد نكسة 67، التى اعتمدت فيها إسرائيل على قواتها الجوية المتفوقة كماً وكيفاً من خلال إمدادها بأحدث الطائرات فى العالم آنذك كالميراج المتطورة والفانتوم العملاقة لكن المقاتل المصرى تفوق على السلاح بالإرادة والعزيمة والرغبة الأكيدة فى استرداد الأرض المسلوبة ورد الاعتبار والعزة والكرامة.. كان لدى وزملائى مبادئ نؤمن بها ونطبقها فى الناحية العسكرية، وهى الإيمان بالهدف والتخطيط والتدريب، والالتزام والجدية، والتضحية، وهذه المبادئ تم تطبيقها فى جميع أفرع القوات المسلحة.
إصرارى انا وزملائى على تحقيق الانتصار لم يكن وليد اللحظة أو المصادفة، ولكنه وليد مشاعر الحسرة والكسرة التى عايشناها جميعا خلال حرب 1967، وكنت طالبا فى الكلية الجوية، وفى اليوم المشئوم كنا فى أرض الطابور بالكلية أثناء هجوم طيران العدو على مصر وشاهدنا الطيران الإسرائيلى وظل المشهد عالقا بذهنى حتى تخرجى عام 1968، فانا خريج الدفعة 21 قوات جوية وهو العام نفسه الذى بدأت فيه حرب الاستنزاف، سافر البعض منا إلى روسيا فى بعثات تدريبية، وأعتبر نفسى من المحظوظين لأننى تدربت بالطائرات فى طلعات هجومية فى حرب حقيقية هى حرب الاستنزاف، واكتسبنا خبرات أمام عدو كان يمتلك أحدث الطائرات الحربية تعلمنا وتدربنا بالدم خلال تلك الاشتباكات مع العدو، فكان يسقط منا الشهداء، فندرس أخطاءنا بعد كل طلعة جوية لنتعلم درسا جديدا فى المناورة والهجوم، حققنا أعلى درجات الاحترافية فى القتال.
قال: كان هدفى فى الطلعة الأولى بالحرب تحطيم محطة صواريخ هوك للعدو شرق القناة على بعــــد 50 كم، وبالفعل أصابته كاملا وعدت سالما وكنت أثناء الحرب برتبة نقيب ولم يكن أمرا سهلابالطبع ولكننا تدربنا عليه مرارا وتكرارا، فقد تدربنا على هذه الأهداف على تبة ضرب النار فى وادى النطرون، وعلى إصابتها بالقنابل الحية بعدما حفظنا المواقع على خرائط مجسمة نتعرف فيها إلى مواقع أهدافنا باللمس بالأيدى بعد عبور القناة بعد تغطية أعيننا لنعرف مواقعها دون النظر إليها، وبمجرد الطيران فوق المنطقة نصبح على دراية كاملة بها أكثر من التحديد الإلكترونى للطائرات، وكل يوم نخرج بكامل الاستعداد ونصيب الهدف على التبة ونعود، وفى يوم 6 أكتوبر استعددنا للطلعة كالمعتاد ولم نعلم بأنها الحرب الحقيقية ، ونحن نقف فى الممر فى كامل الاستعداد ننتظر التعليمات فرأينا العلم الأحمر إشارة الانطلاق بالطائرات، ونحن منتظرون الأمر بالعودة كالمعتاد، ولكن الأمر لم يصدر، وبمجرد عبورنا بالطائرات للقناة أدركنا أنها الحرب الحقيقية التى كنا نشتاق إليها لسنوات
الحرب دون علم مسبق
أكد أنه لم يكن يعلم احد منا بيوم الحرب ولكن قائد اللواء هو الوحيد الذى كان يعلم بالحرب فى صباح اليوم نفسه، ولكننا كنا يوميا خلال التدريب نأمل فى عبور القناة بدل استقبال التعليمات بالعودة، وبالتالى كان عبورنا بالطائرات هو تحقيق الحلم والاخذ بالثأر وبفرحة عارمة أخذ كل منا موقعه نحو هدفه الذى حفظه عن ظهر قلب لنصيب أهدافنا فى دقائق معدودة وخاطفة أربكت صفوف العدو.
قال اللواء راشد إن يوم 6 أكتوبر كان يوما عاديا وبعض الطيارين فى حالات الطوارئ وكان قائد اللواء قد ذهب إلى القاهرة بحجة رؤية أولاده، ولكن علمنا أنه ذهب لقيادة القوات الجوية وتم تبليغه بالحرب وفى صباح يوم 6 أكتوبر جاء الطيار حسن فهمى وكان شخصية متماسكة ولا يظهر ما بداخله وسأل عن الطيارين ودعاهم جميعا للإفطار، وفى حوالى الواحدة ظهرا استدعى قادة التشكيلات إلى غرفة المحاضرات وأبلغنا بأن الحرب اليوم الساعة الثانية وكان إحساساً بأن هذا اليوم الذى كنا ننتظره.
عندما علمنا بالموعد ظهر الحماس وتم توزيع الخرائط على قادة الأسراب، وكان الهدف المخصص لى هو مواقع هوك فى المحور الشمالى فى رمانة وبالوظة وفى التوقيت المحدد انطلقت جميع طائرات السرب إلى مدينة القنطرة ثم انفصل كل تشكيلين إلى هدف واحد لكى يحدث تدمير مؤكد له.
قال قمت بالهجوم على الموقع المخصص وحققنا نتائج مؤكدة وبعد الضربة وأثناء العودة كانت تعليقات الطيارين تظهر من شدة الحماس والفرحة، وأحسست أن هذا هو بداية النصر، وأننا نستطيع أن نفعل الكثير والكثير مشيرا أن إسرائيل إلى الآن لم تنسحب من أى أرض احتلتها إلا سيناء فقط الأمر الذى يؤكد قوة وقدرة وإيمان وإرادة وعزيمة وصمود وبسألة ابطال قادرون على تحقيق النصر.