تتجلى التحديات الكبرى التى يواجهها «حزب الله» بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله فى سياق معقد من الديناميات الإقليمية. فرغم أن الاغتيالات قد تبدو انتصاراً تكتيكياً لإسرائيل، إلا أن آثارها الحقيقية قد تستغرق شهوراً، أو حتى سنوات، للظهور.
ففى عام 1992، اغتالت إسرائيل عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، ورغم الاحتفاء الإسرائيلى الكبير بتلك العملية، إلا أن الحزب استمر وزادت قوته تحت قيادة نصر الله. اليوم، ومع مقتل الأخير، يواجه «حزب الله» تحديات جديدة، لكن تاريخه الطويل فى التعافى والقدرة على إعادة التنظيم يُشير إلى أن مصير الحزب ليس بالسهولة التى يتخيلها البعض.
تاريخيًا، لم يحقق استهداف قادة «حزب الله» ميزة استراتيجية كبيرة لإسرائيل. فرغم فقدان قيادات مهمة، فإن الحزب أثبت مرونته وقدرته على التكيف مع الظروف المتغيرة. فى الوقت الراهن، يجادل العديد من الخبراء بأن عمليات الاغتيال قد تؤدى إلى تراجع معنويات الحزب مؤقتاً، ولكنها لن تضعف إرادته أو تهدد وجوده بشكل دائم.
تقول سانام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط فى معهد «تشاتام هاوس»، إن حزب الله يعلم أن أى تصعيد قد يؤدى إلى صراع لا يمكنه الفوز فيه، لكن عدم الرد قد يضعف من شرعيته. وهذا يعكس الصراع الداخلى الذى يواجهه الحزب بين الاستجابة للضغوطات وبين الحفاظ على صورته كقوة مقاومة.
تتزايد المخاوف من أن مقتل قادة حزب الله قد يُحفز على بروز جيل جديد من المقاتلين. يذكرنا بأبو مصعب الزرقاوي، الذى أدى مقتله إلى ظهور تنظيم «داعش». لذلك، قد تؤدى اغتيالات اليوم إلى ولادة تشكيلات جديدة تعيد النظر فى استراتيجياتها وأهدافها، مما يجعل المعادلة أكثر تعقيداً.
إن استراتيجية «قطع الرؤوس» التى تنتهجها إسرائيل تثير التساؤلات حول جدواها. على الرغم من أنها قد تبدو كحل سهل، إلا أنها غالباً ما تؤدى إلى نتائج عكسية. فمقتل نصر الله، رغم كونه ضربة قوية، قد لا يُترجم إلى مزيد من الأمان لإسرائيل. فقد تتعزز الرغبة فى الانتقام والرد من جانب الحزب وحلفائه، مما يُصعِّد من دائرة العنف فى المنطقة.
مقتل حسن نصر الله وغيره من القادة هو بلا شك حدث مؤلم لـ «حزب الله»، ولكنه لا يعنى نهاية الحركة. الدروس المستفادة من التاريخ، والتحديات المتزايدة التى تواجهها إسرائيل فى سياق هذه الاغتيالات، تشير إلى أن هذه الخطوة قد تؤدى فى النهاية إلى نتائج غير متوقعة. وعلى المدى الطويل، قد يبقى «حزب الله» قوة فاعلة على الساحة الإقليمية، بغض النظر عن التحديات التى يواجهها.
إن ما يخشاه الجميع هو أن قتل نصر الله قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة، حيث سيؤدى هذا الحدث إلى فراغ سياسى وفوضى فى لبنان، مما سيفتح المجال للتوترات الطائفية. ستسعى إيران وحلفاؤها إلى الرد، مما يعزز من احتمالات تصاعد الصراعات فى العراق وسوريا. هذه الديناميكية قد تؤدى إلى تدخلات عسكرية من قوى إقليمية ودولية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية ويعزز من عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. وهو ما يدعو لقيام المجتمع الدولى بدوره لمنع وقوع كارثة.