من الألاعيب الصهيونية التى تنتهجها الدولة العبرية، أنها تلجأ إلى أساليب المكر والخداع، فتراها تعترف بالضعف والهوان، كما حدث فى الستينيات عندما كانت تصرخ وتولول بأن العرب يريدون إلقاءها فى البحر، بينما كانت تجهز جيشها بأحدث الأسلحة، وتشارك فى العدوان الثلاثي عام 1956، ثم تشن عدوان يونيو 67، وأحيانا أخرى تدعى أنها صاحبة اليد الطولى وأن جيشها لا يقهر، وتتفاخر بعدتها وعتادها وتفوقها فتتلقى ضربة قاصمة فى أكتوبر 73 على أيدى ابطال الجيش المصرى البواسل.
وبعد أن عاث جيش الاحتلال فسادا فى غزة، واستخدم القوة المفرطة الغاشمة ضد الأطفال والنساء، واستخدم الأسلحة المحرمة دوليا، تعود نبرة الخبث العبرية بشكل جديد، ويحذر رئيس جهاز «الشاباك» الإسرائيلى السابق يوفال ديسكين من «تهديد وجودي»، وأن نتنياهو يقودهم إلى أزمة متعددة الأبعاد، ووصفه بأنه فاشل والأسوأ فى تاريخهم وقادهم إلى أزمة استراتيجية.
وعلى نفس المنوال قال الكاتب الصهيونى «آرى شبيت» فى صحيفة «هاآرتس»: إننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال، وأنه لم يعد بإمكان اسرائيل إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ولم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية، إذا كان الوضع كذلك فإنه لا طعم للعيش فى هذه البلاد.
ويقر «شبيت» بأن هناك جواز سفر أجنبياً لدى كل إسرائيلي، بالمعنى النفسي، فقد انتهى الأمر، ويجب مغادرة البلاد، إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس، ومن هناك، النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة، لنشاهد الدولة اليهودية وهى تغرق، أضع أصبعى فى عين نتنياهو وليبرمان والنازيين الجدد، لأوقظهم من هذيانهم الصهيوني، والقوة الوحيدة فى العالم القادرة على إنقاذ إسرائيل من نفسها، هم الإسرائيليون أنفسهم، بلغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون فى هذه الأرض.
ويؤكد الكاتب الصهيونى أن الإسرائيليين منذ أن جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر فى الشخصية اليهودية عبر التاريخ، استطاعت أن تقنع العالم بأن فلسطين هى «أرض الميعاد»، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصي، ويدرك الإسرائيليون أنهم لا مستقبل لهم فى فلسطين.
كاتب آخر، هو جدعون ليفي، الصهيونى اليسارى يعترف بتفوق الشعب الفلسطيني، على الإسرائيليين، وأن طينتهم تختلف عن باقى البشر، فقد احتللنا أرضهم وأطلقنا على شبابهم الغانيات وبنات الهوى والمخدرات، وإذا بجيلهم يفجر انتفاضة الـ87، وأدخلناهم السجون فعادوا إلينا بانتفاضة عام 2000، هدمنا بيوتهم وحاصرناهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها رغم الحصار والدمار، وخططنا بالجدار العازل والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض والأنفاق، إننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.
وفى نفس السياق، ومن خارج إسرائيل، يوجه الكاتب الأمريكى اليهودى الشهير بصحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية، وقال إن إسرائيل التى عرفناها قد ولت، وهى اليوم فى خطر وجودي، يقودها نتنياهو الذى باع روحه لتشكيل حكومة مع المتطرفين اليهود اليمينيين الذين يصرون على أن إسرائيل يجب أن تقاتل فى غزة حتى تقتل آخر عنصر فى حماس، والآن انهارت حكومته الحربية لافتقاره إلى خطة لإنهاء الحرب والانسحاب الآمن من غزة.
ويعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى دانيل هغارى بأنه سيكون من غير الممكن القضاء على حماس، وأن الحديث عن القضاء على الحركة ذر للرماد فى عيون الشارع الإسرائيلي.
قد تكون هذه اعترفات حقيقية بالواقع الإسرائيلى المر، وربما مراوغة جديدة لاستعادة التوازن الذى اختل.!