لا أبالغ إذا قلت ان دولة الكيان والاحتلال الصهيونى (إسرائيل) خسرت كل شيء على كافة الأصعدة تكتيكياً وإستراتيجياً.. وبدت فى غاية الهشاشة والضعف سواء على المستوى العسكرى والأمنى والاستخباراتي.. أو حتى على المستوى السياسى والمجتمعي.. لذلك ما يواجه إسرائيل ليس فحسب فشلاً ولكنه سقوط إستراتيجى ناتج عن غياب الرؤية والحسابات وتقديرات الموقف.. وانه جرت فى السنوات الأخيرة إخفاقات سياسية لبعض الرموز والقادة الذين يملكون أدنى معايير العقلانية.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف كشف بممارساته وسياساته وأخطائه وفساده وانتهازيته حالة القبح والضعف داخل دولة الاحتلال.. وفى المجتمع الإسرائيلى ويتجاهل كافة النداءات والمطالب والدعوات سواء من السياسيين والعسكريين والمعارضة من أجل ايقاف الحرب على غزة.. وعدم التوسع ويتحدث الجميع ساسة وإعلاميين وخبراء عسكريين عن عدم القدرة على مواجهة كل هذه الجهات فى ظل الفشل والترهل والضعف وغياب الدافع والجاهزية وضعف مستويات التدريب والتأهيل الذى يعانى منه جيش الاحتلال والذى تجلى بوضوح فى العدوان البربرى الذى شنته إسرائيل ضد قطاع غزة والذى حقق فشلاً ذريعاً وبات مستنقعاً ينضح بآفات وأخطاء كارثية ومزاعم وأكاذيب إسرائيلية روجت حول قوة مزعومة غير موجودة على أرض الواقع.
السقوط الإستراتيجى لإسرائيل الذى أتحدث عنه بدأت تتضح معالمه منذ طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضى فى غفلة تامة وسبات عميق من كافة الأجهزة الأمنية والمخابرات الإسرائيلية سواء الشاباك أو الشين بيت أو الموساد.. فقد دخلت المقاومة إلى غلاف غزة دون أى مضايقات واخترقت كافة الحواجز.. دون أى معلومة أو علم.. مهما حاولوا الآن من ترويج الأكاذيب لحفظ ماء الوجه بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية لديها وثائق برصد حركة حماس قبل تنفيذ طوفان الأقصى وتحديداً فى 19 سبتمبر الماضي.. لكنها فى ظنى روايات تسعى لترميم حالة التصدع والانهيار.. وهذا الاختراق يعنى بالنسبة لى ذروة السقوط الإستراتيجي.
أيضاً السقوط والفشل الإستراتيجى لإسرائيل يتمثل فى عدم القدرة على تنفيذ أى هدف من العدوان سواء فى عدم القدرة على تدمير المقاومة والقضاء على حماس أو حتى إضعاف قدراتها.. أو طرد قيادتها أو اطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية وجل ما تحققه أنها تقتل الأطفال والنساء وأيضا تحصد أرواح أسراها.
السقوط المذرى أيضاً والفشل الذريع فى سقوط سياسى ودبلوماسى وإعلامى واضح.. فلم تفلح آلة الدعاية الصهيونية العالمية فى الدفاع عن إجرام إسرائيل وتحويله إلى حق مشروع للدفاع عن النفس.. وخسرت إسرائيل الحرب النفسية التى تفوقت فيها المقاومة الفلسطينية ونجحت فى إحداث انقسام داخل دولة الاحتلال.. وتصعيد الاحتجاجات من خلال خطة ذكية تلعب بأعصاب الإسرائيليين من خلال فيديوهات محددة ومثيرة ولا تجيب عن كل التساؤلات.. ولا تسرد كافة التفاصيل وهو الأمر الذى يثير جنون الإسرائيليين ويثير حفيظتهم ضد نتنياهو وعصابته وكذلك الفشل الإسرائيلى برز بوضوح فى انقلاب الرأى العام العالمى ضد الكيان الصهيونى والتعرف عن كثب على حقيقة البربرية الإسرائيلية والوحشية وقتل الأطفال والنساء وفرض الحصار والتجويع وحرب الابادة ضد المدنيين فى مظاهرات واحتجاجات متصاعدة فى جميع دول العالم خاصة أمريكا ودول الغرب.
السقوط الإستراتيجى لإسرائيل.. تجسد أيضاً فى الاختراقات العميقة سواء للمقاومة الفلسطينية من خلال تنفيذ عمليات خلف خطوط العدو الإسرائيلي.. رغم شدة القصف والاجرام واستمرار اطلاق صواريخ المقاومة إلى العمق الإسرائيلي.. وفشل ذريع لمنظومة القبة الحديدية ومقلاع داوود.. ثم حالة الارتباك داخل جيش الاحتلال.. وحالة النقص والعجز فى القوات.. واستجداء انضمام قوات إضافية.. بعد رفض «الحريديم» وفشل إستراتيجى فى التصدى لكافة الجبهات سواء مع لبنان أو الصواريخ والمسيرات القادمة من اليمن وتحول إسرائيل إلى مجرد خنادق.. أو نزوح المستوطنين الصهاينة من الأراضى المحتلة إلى داخل إسرائيل وتوجيه حزب الله ضربات موجعة لمواقع وقوات ومنشآت إسرائيلية.. إضافة إلى حالة التلاعب التى تقوم بها المقاومة الفلسطينية للكتائب والقوات الخاصة الإسرائيلية واستدراجها فى كمائن أو تفخيخ منازل وتفجيرها.
أيضاً سقوط آليات ومدرعات كانت إسرائيل تروج لها كأساطير مثل الدبابة «ميركافا» التى تصطادها المقاومة بسهولة ثم مدرعة أو ناقلة الجند (النمر) التى تهاوت وانفجرت بمن فيها من ضباط وجنود وأخرها تفجيرها وفيها ضابط و8 جنود قتلوا جميعا السبت الماضي.
إسرائيل فى حالة تخبط وارتباك وفوضى عارمة على كافة الأصعدة بما يشير إلى سقوط إستراتيجى على مستوى الداخل فى ظل حالة الانقسام وتصاعد الخلافات سواء بين الجيش والحكومة بقيادة نتنياهو أو بين رئيس الوزراء الإسرائيلى والمعارضة أو تصاعد الاحتجاجات والتظاهرات التى تقودها أسر وعائلات الأسرى وهو الأمر الذى دفع نتنياهو إلى التحذير من وقوع حرب أهلية فى إسرائيل فى اشارة إلى تصاعد حالة السخط العام ورغم ذلك يتمسك نتنياهو بموقعه كرئيس وزراء ويرفض المغادرة لأسباب كثيرة ليس من بينها صالح إسرائيل.. أو المصلحة العامة أو ايقاف الفشل ونزيف الخسائر ولكن خوفا على نفسه من فناء سياسى وحساب وعقاب وربما السجن.. كل ذلك يتزامن مع فشل إسرائيل فى تسويق سردياتها الكاذبة ومع احتمالات توسع جبهات القتال خاصة مع لبنان متمثلاً فى حزب الله صاحب القدرات الأعلى باضعاف من المقاومة الفلسطينية والذى اطلق مئات الصواريخ فى الأيام الأخيرة إلى المواقع الإسرائيلية على الحدود.. واشعل الحرائق فى الغابات ودمر الكثير من المنشآت.. فهل تستطيع أو تقدم إسرائيل على اتخاذ قرار المواجهة مع حزب الله فى ظل حالة الارتباك والفشل الذريع والسقوط الإستراتيجى الكامل بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية.
الرسالة التى بعث بها حزب الله لإسرائيل الثلاثاء الماضى والتى تمثلت باختراق العمق الإسرائيلى من خلال طائرة مسيرة «الهدهد» صورت بجودة عالية مواقع عسكرية وإستراتيجية وحيوية ومواقع منظومة القبة الحديدية ومقلاع داوود.. وميناء حيفا وقاعدة حيفا العسكرية ومصانع الأسلحة.. يقول فيها حزب الله إننا جاهزون وقادرون وأنتم تحت أعيننا.. فى ذات الوقت تحاول واشنطن منع اندلاع المواجهة مع حزب الله خاصة ان هناك أذرعاً أخرى سوف تساند حزب الله.. وهو وفى ظل المعطيات على الأرض ليست فى صالح إسرائيل.. فهل المنطقة مقدمة على تصعيد وحريق يزيد المأزق.. ويؤجج الصراعات؟.. لكن فى كل الأحوال إسرائيل تعانى من سقوط إستراتيجى مروع تحتاج لعقود للعلاج.. لذلك أكرر ليه تدفع أكثر لما تقدر تدفع أقل؟.
تحيا مصر