انتقلت «الجمهورية» بقدرة مدهشة
من جريدة للثورة إلى جريدة للشعب
وصلاً بما سبق..فإن قناعتى أن الصحف وخصوصًا القومية، تحتاج لمزيد من التطوير والتحديث سواء فى المحتوى الصحفى أو الجانب الإدارى لمواكبة عصر يموج بتطور تكنولوجى مذهل وتنافس شرس مع إعلام غير تقليدى فى أدواته وصناعه وجمهوره المستهدف عبر السوشيال ميديا التى باتت أكثر حضورًا و تأثيرًا فى توجيه الرأى العام..
ولعلى أتفهم انشغال القيادات الصحفية فى تفاصيل العمل اليومى وهنا يمكن الاستعانة ببيوت الخبرة لدراسة الاحتياجات ووضع المقترحات المطلوبة لتحقيق مزيد من التطوير وخصوصًا المطبوعة التى تحمل فوق ظهرها تاريخًا واسمًا عريقاً قدم ولا يزال الكثير والكثير فى مسيرة الصحافة التى تصنع الوعى وتشكل ظهيرًا قويًا للدولة فى شتى تحولاتها وتحدياتها!.
الجمهورية؛ مثلاً كانت أول جريدة يومية تصدرها ثورة يوليو، أريد لها فى البدء أن تكون صحيفة رأي.. لكنها سرعان ما تجاوبت مع سنن التطور ومستجدات العصر ومتطلباته ولم تقتصر على هذا اللون الصحفى على أهميته فتحولت كغيرها من بنات زمانها إلى صحافة الخبر الذى تربع على عرش الصحافة وقتها وانفرد بها قبل بزوغ ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وصار عماد الصحافة القومية وأساس التحقيقات فى المجلات الأسبوعية.
اتسمت «الجمهورية» بطابع شعبى يركز على اهتمامات القارئ وهمومه، وإشباع نهمه فى معرفة ما يجرى حوله من أحداث متسارعة تتحكم فى حاضره وتصنع مستقبله، ولم تقف فى مسيرة تطورها عند حدود «الخبر» فقط بل قدمت لقارئها معلومات متنوعة ذات إيقاع سريع تفيده فى حياته اليومية وتزيد معرفته بما يجرى فى العالم من حوله..وهكذا انتقلت «الجمهورية» بقدرة مدهشة من جريدة للثورة إلى جريدة للشعب تدافع عن حقوقه وتتبنى قضاياه وتخاطب جمهوراً عريضاً فى مساحته العددية والمكانية والحضارية؛ جمهوراً متنوعاً يجد ضالته المنشودة على صفحاتها وفى أبوابها المختلفة.
..ومهنياً فإن الجمهورية لم تخل صفحاتها من الجوانب الإنسانية ونماذج العطاء والخير والأمل وتحدى الصعاب وقهر المستحيل؛ مثلما حدث فى عام 1969 حين وجهت الطفلة نجلاء هدايت حلمى رسالة للرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون تروى فيها قصة استشهاد والدها الطيار بسبب العدوان الإسرائيلى الغاشم فى يونيو 1967 وكان أبوها هو الذى قاد طائرة نيكسون خلال زيارته لمصر قبل أن يصبح رئيساً لأمريكا.. وهى القصة التى تابعتها بشغف وكالات الأنباء والصحف العالمية، نقلاً عن «الجمهورية» التى خاضت كغيرها من الصحف غمار المنافسة الشرسة مع الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى التى سحبت البساط من تحت أقدام الصحافة المطبوعة بصورة غير مسبوقة.
ولا أبالغ إذا قلت إن الجمهورية كانت من أوائل الصحف القومية التى أنشأت بوابة إلكترونية، كما سبقت كل الصحف كل الصحف بالخط الساخن (139 جمهوية) الذى شرفت بالإشراف عليه وحقق نجاحًا جماهيرياً منقطع النظير.
وليس ذلك وحده على أهميته كافياً لنجاحها ما لم تكن الصحيفة جديرة بثقة القارئ وملبية لاحتياجاته والتفاعل معه.. وتلك رسالة صحافتنا كلها فرسالة الصحافة الحقيقية هى التنوير وإيقاظ الوعى ومن ثم ينبغى عليها أن تكون متجددة وديناميكية تضيف للناس ما يغير واقعهم ويملأ فراغهم الذى تسبب فيه للأسف ضعف تأثير الأحزاب السياسية والنخب المختلفة فى المجال العام.
وفى سياق معقد كهذا لا مفر من النظر فى تجارب صحف عالمية كبرى تحولت من النسخ المطبوعة إلى الصدور إلكترونياً استجابة لتطورات العصر حتى ذلك اللون من الصحافة يكسب كل يوم أرضاً جديدة ويجتذب قراءً جدداً، ويستحوذ على نصيب متزايد من السوق الإعلانية؛ مدفوعًا بعوامل عديدة تجعله أكثر انطلاقاً وجاذبية وأقل كلفة ومشقة وأسرع وصولاً للحدث وملاحقة لمستجداته..والسؤال: هل نملك بنية تكنولوجية وكوادر مدربة ورؤية استشرافية تكفى لمسايرة هذا العالم فائق التطور..؟!
وسواء كانت الصحافة ورقية أو إلكترونية فإنها لو التزمت دورها الحقيقى لعمت الفائدة وتحسنت أحوالها كثيراً؛ ليس بالتركيز فقط على تطوير النسخ الورقية التى لا تزال موجودة بحكم الواقع ولكن بالتركيز على جوانب أخرى تعمل على توظيف الذكاء الاصطناعى والسوشيال ميديا وصحافة القاريء..ولا يعنى ذلك أن الصحافة الورقية انتهى عصرها؛ فهى لا تزال نابضة بالحياة وقوة التأثير فى دول كبري؛ .. وهو ما يعنى أن علينا أن نبذل جهدًا مضاعفاً لاستعادة أمجاد الصحف المطبوعة بجذب شرائح جديدة من الشباب على طريقتهم وليس على طريقة زمن ولى ولم يعد يناسب جيل السوشيال ميديا..صدقونى لسه الأمانى ممكنة..لكن هل نحن مستعدون لاستعادتها وتحقيقها.. كما قلت فهناك جهد محترم من الهيئة الوطنية للصحافة الدولة لدعم تطوير الصحف القومية واعتقد أن الاستعانة بكليات الإعلام يمكن ان يسهم فى هذا الاتجاه ويضع خارطة طريق لمزيد من التطوير لإثراء التجربة وجنى الثمار بطريقة أكثر سرعة وموضوعية ؟!.