فى مسيرة نجاح «الجمهورية» ما يستحق أن يروى ليكون دافعاً للإصرار على استمرارها على درب النجاح
فى دول العالم المتقدم تعد الجامعات ومراكز الأبحاث بمثابة «بيوت خبرة» باعتبارها «مراكز تفكير» تطرح كل جديد فى شتى المجالات، تقدم الرأى والمشورة لمن يطلبها من صناع القرار ولمختلف الهيئات، ويمكنها بهذا المعنى أن تسهم فى تطوير مختلف المؤسسات من منظور علمى يقوم على البحث والفحص والاستنتاج.
وإيمانًا بهذا الدور الوطنى المهم فقد طلبت، أثناء رئاستى لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر (الجمهورية) من عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة آنذاك د.ليلى عبدالمجيد (وهى بالمناسبة ابنة دفعتي) أن تقدم دراسة علمية لتطوير إصدارات المؤسسة لتحويل المحن إلى منح وفرص واعدة للنمو والازدهار، فقد كنا مشغولين بتفاصيل العمل الصحفى والمنافسة مع سائر المؤسسات، بينما الجامعة مكان لإنتاج الأفكار وحل المشكلات بطريقة علمية منظمة وهادئة وهادفة.. وقد استجابت د.ليلى عبدالمجيد مشكورة لما طلبت، وتولى مهمة فريق علمى مهمة دراسة إصدارات دار التحرير، كلٍ على حدة، لوضع خارطة طريق للانطلاق بها على طريق الانتشار ومزيد من التوزيع.. وقد شارك فى إعداد تلك الدراسة الراحل د.محمود علم الدين أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة ود.نجوى كامل الوكيل السابق للكلية ..وخلصت الدراسة إلى عدة توصيات تم تنفيذها عمليًا، وأثمرت تطورًا ملحوظاً لإصدارات المؤسسة؛ توزيعًا وانتشارًا وتأثيرًا.. ولم يتوقف التعاون عند هذا الحد بل تم الاتفاق على تطوير أداء الصحفيين بالدار عبر برنامج أكاديمى لدراسة الماجستير بمنحة مشتركة من «إعلام القاهرة» ومؤسسة دار التحرير مع تحمل من يرغب من العاملين جزءًا من تكاليف تلك الدراسة وقد تخرج بالفعل عدد من أبناء المؤسسة وحصلوا بالفعل على ماجستير فى الإعلام والصحافة من كلية الإعلام بجامعة القاهرة.
ولم تكن تلك هى المحاولة الأولى التى لجأت «دار التحرير» للاستعانة ببيوت خبرة مشهود لها بالكفاءة والجدارة لتطوير المؤسسة؛ فقد سبقتها محاولة جادة قامت بها مؤسسة حازم حسن وقدمت خلالها دراسة قيمة لإعادة هيكلة «دار التحرير» وتطوير أدائها المالى والإدارى وتعظيم استغلال أصولها لتنمية مواردها وزيادة دخولها…. ولا أدرى هل تجددت محاولات الاستعانة بكليات الإعلام فى الجامعات المصرية لتطوير أداء المؤسسات الصحفية القومية التى باتت فى منافسة شرسة مع السوشيال ميديا والإعلام غير التقليدى الذى يستطيع كل من يملك هاتفًا ذكيًا ومحتوى جاذبًا أن يكون منافسًا لا يستهان به فى صناعة الإعلام والصحافة والتأثير بقوة فى الرأى العام.
ولا أدرى أين ذهبت دراسة «حازم حسن» الخاصة بمؤسستنا «دار التحرير» ..وهل يمكن البناء عليها لإحداث مزيد من التطوير والتحديث للأداء المالى والإدارى للمؤسسة، واستثمار تاريخها العريق الذى ارتبط بقادة تاريخيين عظام اقترنت أسماؤهم بجريدة الجمهورية التى صدرت برعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى وقّع بيده طلب إنشائها ثم خطّ بقلمه افتتاحيتها الأولى بحسبانها ابنة ثورة يوليو وإحدى ثمراتها ..كما قدم السادات 300 جنيه وقتها كضمانة شخصية حتى توافق إدارة المطبوعات على إصدارها ثم عمل مديراً عاماً لها ؛ فرئيساً لمجلس إدارتها..وكتب فيها عدد كبير من الكتاب البارزين أمثال د.طه حسين، ود.محمد مندور، ود.لويس عوض، وخالد محمد خالد، فضلا على عدد من رجال الثورة وأساتذة الجامعات.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن فى مسيرة نجاح «الجمهورية» ما يستحق أن يروى ليكون دافعاً للإصرار على استمرارها على درب النجاح والتميز، معبرة عن أحلام القراء وآمالهم ومتاعبهم..كما كانت منذ انطلاقها معبرًا عن الثورة وأفكارها وطموحاتها وتوجهاتها، ثم اختطت لنفسها مسارًا شعبويًا جعلها لسان حال الناس البسطاء؛ حتى صارت بالفعل صوتاً للشعب ومدافعاً عن قضاياه.. تتحسس نبضه، وتستشرف طموحاته وتلبى احتياجاته وتتبنى مطالبه وشكاواه لتضعها بين أيدى المسئولين حتى ارتقت يوماً أعلى درجات المجد بتوزيع قارب المليون نسخة، وهو رقم لو تعلمون ضخم وعظيم.
«الجمهورية» يممّت وجهها شطر قرائها ورسالتها وسايرت الأحداث التاريخية الكبرى وناصرت القضايا المصيرية للأمة؛ فناضلت ضد الاستعمار ومدت يد العون لحركات التحرر الوطنى فى سائر قارات الدنيا، وقاومت القوى الإمبريالية وتكتلاتها وانحيازاتها الظالمة ضد الشعوب المستضعفة، ودعت إلى سياسية عدم الانحياز، وروجت للمبادئ الاشتراكية التى لجأت إليها مصر منذ عام 1960، كما دافعت باستماتة عن حق شعب فلسطين وقضيته التى هى قضية العرب المركزية منذ نشأة هذا الكيان المحتل على أراضيهم .