فى زمن أصبحت فيه الصورة أسرع وسيلة للتأثير وأقصر طريق للوصول، انتشرت مؤخرًا ظاهرة تعمّد البعض إظهار مظاهر الثراء بشكل مبالغ فيه. فبين السيارات الفارهة، والملابس باهظة الثمن، والهواتف المحمولة التى تبلغ قيمتها عشرات الآلاف من الجنيهات والمجوهرات الفاخرة، تحوّلت مظاهر الحياة المترفة إلى أداة يسعى من خلالها البعض لنيل احترام زائف ومكانة اجتماعية وهمية.
ورغم أن امتلاك المال ليس أمرًا معيبًا، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن فى تحوّل الثروة إلى وسيلة استعراض، وسعى محموم لتعويض نقص داخلى أو فرض صورة اجتماعية لا تعكس الواقع.
فى جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعى، يلاحظ المتابع تزايد نشر صور الرحلات الباذخة، والسيارات الرياضية، والمقتنيات الباهظة. لم يعد الأمر يقتصر على المناسبات أو الأحداث العامة، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية لفئة من الأشخاص.
وعلى أرض الواقع، لا تختلف الصورة كثيرًا، إذ يلجأ البعض إلى شراء ملابس تحمل أسماء أشهر دور الأزياء، واقتناء أحدث الهواتف والسيارات المستأجرة، فقط من أجل الظهور بمظهر الثرى، حتى وإن كان ذلك على حساب احتياجاتهم الأساسية أو بالاستدانة.
لقد انتشرت ثقافة تقدير الأشخاص بناءً على ما يملكون لا ما يقدّمونه من قيم حقيقية. وهو ما يعكس خللًا واضحًا فى قيم المجتمع
أن مواقع التواصل الاجتماعى لعبت دورًا كبيرًا فى تفاقم هذه الظاهرة، حيث يتسابق البعض فى نشر صور ممتلكاتهم ورحلاتهم الفاخرة فى محاولة للحصول على أكبر عدد من الإعجابات والمتابعين.
إن هذه الظاهرة تسبب ضغوطًا نفسية كبيرة على الأفراد، خاصة بين فئة الشباب.. ويقع الكثيرون فى فخ المقارنة الاجتماعية، ما يؤدى إلى شعور بالإحباط أو اللجوء للاقتراض للحفاظ على هذه الصورة الزائفة.
لا تقتصر آثار هذه الظاهرة على الأفراد فقط، بل تمتد إلى المجتمع بأسره. إذ تخلق بيئة تنافسية تقوم على المظاهر المادية بدلاً من القيم والإنجازات، وتدفع فئة من الشباب إلى السعى وراء الكمال المادى الوهمى.
اقتصاديًا، قد يتورط البعض فى ديون أو يلجأ لأعمال مشبوهة لتحقيق هذا الثراء المصطنع، ما ينعكس بالسلب على الاقتصاد المحلى والمجتمع.
وسط زحام المظاهر المصطنعة، تظل قيمة الإنسان بما يقدّمه من فكر وأخلاق وإنجازات حقيقية هذا ليس كلاما مرسلا أو فقرات وجملا نسردها فى حصة تعبير هذا سر تقدم مجتمعات أخرى اعتمدت على العلم و الفكر والعمل انطلقت نحو التقدم والرخاء احترمت العلم والفكر فصنعت لنفسها مكانة واحترمها الآخرون.
وسيبقى الاحترام الحقيقى نابعًا من التأثير الإيجابى، لا من اقتناء العلامات التجارية أو مظاهر الثراء ..حان الوقت كى يعيد المجتمع ترتيب أولوياته، ويعود لتقدير الإنسان بما يحمله من قيمة، لا بما يملكه من مال.