لولا الاستعمار القديم للدول العربية خلال القرون الماضية، ولولا معاهدة «سايكس بيكو» لتقسيم المنطقة عام 1916، ثم نشأة إسرائيل عام 1948 ، لكان الشرق الأوسط أكثر سلاما ولكان العرب فى مكانة أفضل بطبيعة الحال، ولولا مؤامرة 1967 وضرب مشروع عبد الناصر التنموى وتوجيه اقتصاد الدولة «آنذاك» للمجهود الحربى، لكانت مصر إحدى الدول الصناعية الكبرى وربما تفوقت على دول بحجم فرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، أيضا لولا تفوق مصر والعرب على إسرائيل عسكرياً فى حرب أكتوبر 1973 لما ظهرت مخططات تقسيم المنطقة وتفتيت الدول العربية، أو أشعلت ما سمى بثورات «الربيع العربى» ولما عاثت اسرائيل فى الأرض فسادا وقتلا وإبادة ودمارا، كذلك لولا مواقف مصر المشرفة وهزيمتها للارهاب وانحيازها للقضية الفلسطينية لما تم استهدافها ومحاصرتها بالحروب والأزمات والتضييق عليها بكل الوسائل ومن جميع الجهات.
هكذا هى حالة مصر والعرب بسبب أطماع الاستعمار القديم والجديد، والتى تكاد تكون الحالة الوحيدة فى العالم التى يشملها هذا الاستهداف على مدار عقود طويلة ، تغيرت فيها الخريطة الدولية أكثر من مرة وتغيرت خلالها طبيعة القوى الدولية المسيطرة على العالم، ورغم ذلك فإن الاستهداف ظل مستمرا ، ومحاولات الاضعاف لم تتوقف سواء فى إطار ابتزاز العرب والاستيلاء على ثرواتهم، أو فى إطار الصراع على الاستحواذ والهيمنة على العالم أو ضمن استراتيجية حماية أمن إسرائيل ودعم مشروعها التوسعى فى المنطقة، والنتيجة المزيد من الخسائر العربية، وعدم القدرة على تنفيذ مشروع وحدة بمعناه الحقيقى ثم عدم الاستفادة من مميزات الموقع الاستراتيجى والثروات المتنوعة التى تتميز بها كل بلد عربى، والأكثر خطورة هذه الحالة من الاستزاف اليومى لقدرات العرب وهدوئهم وحرمان الشعوب من التجانس وتحقيق التقدم المطلوب فى سائر علوم المعرفة، واللحاق بركب التكنولوجيا العالمى، وجعل الدول العربية فى احتياج دائم للغرب وللصناعات والابتكارات الأجنبية.
وحقيقة فإن المرحلة التى نعيشها حاليا، بما تتضمنه من استهداف واضح و« فاضح» ضد العرب ليست إلا فصلا جديدا لاستكمال تنفيذ ما تبقى من مخطط التقسيم « الثانى» والذى بدأه الاستعمار الجديد فى العقد الماضى ، كما أن إصرار إسرائيل على مواصلة حرب الابادة ضد قطاع غزة الفلسطينى وتهجير الفلسطينيين من القطاع ليست إلا احد فصول المشروع الصهيوني التوسعى الخطير بالمنطقة ، كما أن ما حدث ويحدث فى بعض الدول الشقيقة ما هو إلا» «كابوس» مزعج نخشى أن نستيقظ منه ونجد أنفسنا أمام كوارث جديدة وأكثر خطورة ، سيما ونحن نعيش حالة استثنائية من غياب العدالة العالمية ومن تغييب القانون الدولى الانسانى ، وعدم الاكتراث بقرارات الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ، ويكفى فى هذا الصدد أن نستشهد بما يحدث كل يوم فى غزة من قتل وتدمير وحصار وتجويع وإجبارالسكان على التهجير، دون ان تتحرك القوى الكبرى المتشدقة بالديمقراطية وحقوق الانسان ، ودون أن تبذل دول كثيرة ومنظمات عالمية أى جهد لمنع هذه الحرب البشعة ضد سكان غزة والتى تشكل أكبر جريمة ضد الانسانية فى تاريخنا المعاصر.
لقد كانت الشهور والأيام التى تلت حرب إسرائيل ضد قطاع غزة – أى منذ 7 اكتوبر 2023 وحتى الآن- كفيلة بتكوين صورة شاملة للأهداف «الآنية» للاستعمار الجديد، هذه الصورة تتعلق بدعم الولايات المتحدة لالتهام إسرائيل لما تبقى من أراض فلسطينية ولأراض عربية أخرى، ومساندة الكيان الصهيونى ليكون أكبر قوة فى الشرق الأوسط تستطيع من خلالها أمريكا السيطرة على المنطقة كلها ، وهو المخطط الذى تصدت له مصر وتبذل كافة الجهود لمنع تنفيذه ، ومن ثم فلا غرابة فى أن يكون تصدى مصر للمخطط «الصهيو- أمريكى»، سببا فى تجدد استهداف مصر، وأن تخرج ألسنة أمريكية تهاجم مصر و أن تحاول النيل من تجربتها التنموية الفريدة خلال السنوات القليلة الماضية، فى سلوك غريب لترهيب مصر و الحد من حركتها لمنع تصفية القضية الفلسطينية أوحرمان إسرائيل من أطماعها التوسعية فى المنطقة.
الخلاصة هنا أن مواقف مصر المشرفة تجاه القضايا العربية ودفاعها عن الحقوق الفلسطينية إلى جانب مشروعها التنموى العملاق وتطوير قواتها المسلحة جعل بلادنا أمام مرحلة استثنائية جديدة تفوق فى خطورتها ما حدث عقب مؤامرة 1967، وما أسفرت عنه أحداث 25 يناير 2011 وتداعياتها ، هذه المرحلة تتطلب منا المزيد من التوحد والوعى والادراك والاصطفاف خلف القيادة السياسية واستمرار الدعم والمساندة لقواتنا المسلحة الباسلة ، أيضا فإن المرحلة الراهنة تتطلب استدعاء «مخزون الكراهية» لمواجهة كل أشكال الاستعمار القديم والجديد، والاستعداد بكافة الوسائل لأى تحديات قادمة .