يُعرف جيسون تاور، عالم الاجتماع السياسي، الحوار الوطنى بأنه آلية معاصرة من آليات التفاوض السلمى الداخلى بين التيارات والقوى السياسية الحكومية والمدنية، والمصممة سياسيا لتشمل العديد من الفئات المستهدفة أثناء التحولات السياسية أو فى فترات ما بعد الثورات، لتحقيق التشارك والتعاون فى اتخاذ القرار، وإدارة شئون الدولة، ففى بعض الأوضاع السياسية، قد يكون نهج صنع السلام داخل الدولة الواحدة؛ يتم عن طريق المفاوضات المباشرة بين السلطة الحاكمة وقوى المعارضة والتيارات الأخري، وذلك لاستيعاب تنوع أطراف الدولة.
لما كانت السياسة هى فن الممكن، القابل للتحقق، وفن الافضل المتيسر، كما قال بسمارك قبل ما يزيد على 150 عاماً، لذا فقد تطلعت قوى سياسية وحزبية، طوال عشرات السنوات للمشاركة الفعالة فى مشهد الدولة، سعيا للوصول للحكم، واثبات ان رؤيتها وايديولوجيتها هى الطريق الاصوب، للوطن وللمواطنين.
لكن شهدت عقود من الزمن، غلق القنوات المشروعة، فلم تستطع اغلب القوى السياسية والحزبية، سوى الحديث خلف جدران مقار الاحزاب، واحيانا لم يكن لدى البعض منها مقر واحد للحزب حتى يتحدث بداخله اعضاؤه !
تطلعت القوى السياسية والحزبية لليوم الذى تعرض وتنفذ فيه رؤاها للنهوض بالوطن، واصلاح اوضاعه فى كافة النواحي، الى ان دعت القيادة السياسية الجميع- ممن لم تتلوث ايديهم بالدماء ولم يتورطوا فى العنف – لافطار الاسرة المصرية، واعقب ذلك تدشين الحوار الوطني، وسط حديث جاد عن ضمانات وتحديات ومآلات للحوار، سعت كافة الاطراف للوصول لحلول للقضايا الاكثر الحاحا التى تهم المواطن، وللكشف عن الكوادر المؤهلة فى كل النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولضمان حياة تليق بالمواطن وتناقشوا حول اليات تحقيقها، وبالفعل بدأ بناء جسور الثقة والاحترام المتبادل يتزايد بين كافة اطراف الحوار، وتجلى ذلك فى خروج المئات من المسجونين، بعفو من القيادة السياسية، وجرى بحث كيفية انتهاء ذلك الملف نهائيا بوضع تعديلات على القوانين، ، ارساء لقاعدة ان الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية.
شمل الحوار 3 محاور رئيسية، اندرجت تحتها 19 لجنة فرعية، تناولت حوالى 123 قضية مختلفة، فتحقق تنوع فى الاطراف والقضايا، هو احد اهم الخصائص التى تميز بها الحوار الوطنى الحالي، وخرجت توصيات قابلة للتنفيذ على وجه السرعة، وتطلع البعض لسرعة تفيذ كافة التوصيات، ولكن بناء الجمهورية الجديدة، يتطلب جهودا كثيرة، وعملا كبيرا، فبعض الثمار لا يصح قطفها الا بعد نضجها، لذا بات استمرار الحوار ضرورة لمواصلة تحقيق الاهداف المرجوة منه، بدلا من العودة لسد القنوات المشروعة، التى تضع المجتمع كله فى مواجهة بعضه البعض، وتسمح لظهور روافد الارهاب، الذى تمكنا من استئصال شأفته بعد معاناة طويلة.
لعلنا نستطيع ان يكون الحوار جزءا لا يتجزأ من عمليات التغيير التى تنشدها الجمهورية الجديدة، ولن يتأتى ذلك الا باستدامة الحوار بين كافة الاطراف كنمط مستقبلى لادارة الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى نحقق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى اساسها الدستور والقانون ويسودها المواطنة.