السطور التالية تسرد نبذة عن بطولات بعض الأبطال الذين شاركوا في صنع نصر حرب العاشر من رمضان (أكتوبر ١٩٧٣).
البطل الشهيد سامي صادق «وجه القمر»
يقول البطل المقاتل «عبد الرحمن سعيد»، أحد ضباط المشاة أثناء نصر العاشر من رمضان (أكتوبر المجيد)، راوي هذه القصة:
استلمت إشارة باحتمال هجمة مركزة لدبابات العدو الإسرائيلي لاختراق طريق متلا، وكان فى المقدمة هناك الضابط سامى صادق.
واستعدت كل الوحدات خوفاً من قيام العدو بالاختراق بين قوات اللواء المصري، وبالفعل صدرت التعليمات بالاستعداد للقتال حتى بالأسلحة الشخصية، وأخرجنا أسلحتنا الشخصية بالفعل، انتظاراً لهجمة الدبابات. كانت كل التقديرات هجوماً شاملاً بالدبابات فى قطاع اللواء، لعمل ثغرة للوصول إلى قناة السويس مرة أخرى، وبدا القلق داخل قواتنا يظهر على كل الوجوه، وهى تمسك الأسلحة الشخصية وتستعد. وكان الليل طويلاً ورهيباً، وبدأت الدقائق تمر ببطئ تثير القلق والتوتر، وجاءت إشارة.. «الدبابات تقوم بعملية التسخين بالمعسكر الأبيض استعدادا للتحرك «، وبدأت الأنظار تتجه كلها ناحية المعسكر الأبيض، وخرج تليسكوب المراقبة، ورغم الظلام إلا أن القمر كان عجيباً بالفعل فى هذا اليوم، كان شبه كاملاً والضوء ساطعاً ولم تكن هناك سحب تحجب ضوءه الرائع، ووجه التلسكوب ناحية المعسكر وكان نقطة بيضاء. واستعدت الدبابات للتحرك مع بداية أول ضوء، وعندما بدأت خيوط الصباح تزحف، سمعنا أصوات الدبابات عنيفة هادرة، وكان أول ما يقابلها موقع سامى، وكان لابد لها من اختراقه، ووقعت المعركة.
وعرفت تفاصيلها من الأفراد القليلة التي خرجت منها. لقد وجد سامى ومجموعة الأفراد الصغيرة معه، فى مواجهة أكثر من 20 دبابة تتحرك في تشكيل قتالى تتقدمة ثلاثة دبابات، وتتحرك فى سرعة وقوة، ولم تكتشف بعد موقعهم المتقدم، وحاول سامى الاتصال بالسرية وبالكتيبة، لكن الموقف كان أسرع، والأوامر « الاشتباك مع العدو وسوف تعاونك باقي القوات»، لأن الانسحاب والتراجع أو التوقف، دائماً فى كل المواقع بعيداً عن الأذهان.
وبالفعل اشتبكت مدفعية اللواء مع الدبابات المتقدمة، وعندما انفجرت دبابة من قذف المدفعية، ارتفعت رءوس بعض الأفراد بصيحات الله أكبر، واكتشف العدو بدباباته موقع الفصيلة، وبدأت خطته في الهجوم السريع الحاسم ليصبح وسط قواتنا، ويتلافى ضرب المدفعية، وتحركت الدبابات بسرعة مذهلة وسط المجموعة، وتنبه سامى لتلك الهجمة المباغتة والسريعة، ووجد الأفراد أنفسهم وسط الدبابات، وبدأت معركة من أقذر المعارك الحربية، دبابة فى مواجهة إنسان، وداست الدبابات الأجساد وارتفعت أصوات الألم، وكان أبشع الأصوات صوت عظام الرأس عندما سحقتها العجلات المجنزرة، وتحولت بعض الأجساد إلى كومة من الاشلاء، حقيقة موقف تهتز له خلايا الجسم، وخرج سامى فى ثوان وصرختة رهيبة عالية، وفى ثورة صاخبة وكلمات قاسية مؤلمة عنيفة، خرج وواجه أول دبابة بجانبه، ونظر إليه الأفراد فى ذهول، واندفع وألقى قنبلة مجهزة للدبابات ولكنها لم تنفجر، وفى ثورته وسخطه حملها مرة أخرى، وركب الدبابة وفجر القنبلة ونفسه فوق الدبابة.
قد تكون القنبلة المجهزة غير جاهزة تماماً لخرق الدروع، لكن القنبلة البشرية استطاعت أن توقفها وتحرقها، وشاهدت الدبابات أغرب عملية قتالية، فقد اندفع باقي الأفراد نحو الدبابات وتوالت الانفجارات، وركب الأفراد الدبابات بكل الأسلحة وبكل الوسائل، حتى أطلقت نكتة مريرة أن بعض الأفراد واجهوا الدبابات بعد نفاد الذخيرة بالمعلبات.
ولم تكن نكتة لأن دبابات العدو انسحبت أمام الهجوم الشرس من الأفراد، و بعد تراجع الدبابات وصلت المساعدة من لواء التدعيم وتم تدعيم الموقع.. وعندما حاولنا بعدها استرجاع جثة سامى لدفنها، منعنا العدو لساعات طويلة، وفى اليوم الثانى كان ضوء القمر فى كامل بدره، لأنها كانت ليلة النصف من رمضان (يوم 10 أكتوبر 1973)، وكل من شاهد سامى جثة على الدبابة، كان يرى عينيه نحو السماء نحو وجه القمر.