مما يحزننا بشدة فى عصرنا هذا، ما تشهده العملية التعليمية من مظاهر تدهور أخلاقي، بعيدا عن عاداتنا وتقاليدنا وإرثنا الاجتماعي، فلم يعد المعلم هو المعلم ولا التلميذ هو التلميذ ولا الطالب هو الطالب، أشياء كثيرة تبدلت وتغيرت خلال العقود الأخيرة، تدهورت فيها العملية التعليمية وبالتالى جرجرت معها الجوانب الأخلاقية إلى الحضيض.
وما زاد الطين بلة، أن الأمر وصل إلى مرحلة النضج الجامعية، وإلى رموز من أساتذة الجامعة، عندما يتكرر موقفان غير مقبولين هذا العام، حين قام أستاذان –كل منهما على حده– بتوجيه السباب والشتائم للطلاب بألفاظ «سوقية» نابية غير معتادة فى المجتمع، ولا يجوز أن تخرج حتى ممن لم يتلقوا أى نوع من التربية ولا أى مقدار من التعليم، ويمنعنى الحياء من تكرار تلك المفردات، ولا أستطيع أن أذكرها أمام أحد، لكن الأستاذين «القدوة» انطلقت منهما الكلمات كالرصاص، ولم يستطع أى منهما أن يتحكم فى أعصابه ولا تصرفاته ولا التعامل مع الموقف بما يليق بهما وبالحرم الجامعى المقدس.
وفى نفس الوقت لا أعفى الطرف الآخر من المسئولية، أى الطالبين اللذين تسببا فى الموقفين من الأساس،فكلاهما ارتكب خطأ جسيماً، فى قاعة المحاضرات محراب العلم، فلا يليق فى هذا المكان التصرف بحماقة ولا الخروج على مقتضيات الأدب والأخلاق، ولا هذا الذى تجاوز كل الحدود والخطوط الحمراء وراح يدخن «الفيب» فى قاعة المحاضرات أمام أستاذه وزملائه.
وجها الأزمة الأساتذة والطلاب، أخطأوا جميعا،وإن كانت الأخطاء والتصرفات فردية لكنها تعكس الأجواء غير الصحية فى جامعاتنا المرموقة، وتحتاج تلك الوقائع إلى الدراسة والفحص والتمحيص ومعرفة الأسباب والخلل وعلاجه، ولا نتركها لتتفاقم أكثر من ذلك.
وبالمناسبة، لا يكفى فى مثل هذا الحالات أن يقتصر الأمر على التحقيق لمعرفة من المخطيء لنعاقبه، ونبريء الآخر، وإنما الأهم هو اقتلاع المشكلة من جذورها، ومعالجتها بشكل كامل، وأن يتصدى المتخصصون من جميع الجوانب الاجتماعية والتعليمية والدينية، واستعادة القيم والأخلاقيات التى توارثناها، وعودة الروح التى كانت سائدة وتربت عليها الأجيال.
ويجب قبل كل ذلك أن نعترف بما طرأ على تعاملاتنا وأخلاقياتنا، وسوء تصرفاتنا، وما طغى علينا من الظواهر والسلوكيات السيئة المرفوضة، واختلاط الحابل بالنابل وانقلاب أحوالنا وانفلات أخلاقنا.
وفى هذا السياق، أعود فى هذا المكان مرة أخرى إلى المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، التى تستهدف تحسين جودة الحياة للجميع، وإتاحة الطريق نحو التنمية الذاتية والصحية والتعليمية والرياضية والثقافية، من أجل تقديم مواطن صحيح متعلم واع ومثقف، وتتضمن تطوير المناهج التعليمية والبرامج التدريبية واستخدام التكنولوجيا.
ويحدونى الأمل فى مبادرة «بداية» لتجسد الاهتمام بالإنسان، ولتغيير الواقع وتقودنا إلى مستقبل أفضل فى مختلف المجالات، يتماشى مع حضارتنا وقيم أمتنا ومجتمعنا وديننا الحنيف، فنحن الذين كنا نوقر الكبير ونرحم الصغير ونحترم الأب والأم، ونبجل المعلم، ونقدر كل صاحب معروف.
إن هذه الأمة هى التى قادت المنطقة بل العالم منذ القدم إلى التحضر والمدنية، وكانت نبراسا وقنديلا يضيء الدنيا، تعلم فى مصر أطباء ومهندسو أوروبا وكانوا يفخرون ويتباهون بأنهم تعلموا فى مصر وحصلوا على شهاداتهم من أرض الكنانة، كنا سلة غذاء العالم منذ عهد نبى الله يوسف عليه السلام، وكنا مطمعا للإمبراطورية الرومانية لتحصل على غذائها من أرضنا الطيبة واعتمدت على ذلك سنين طويلة.
فى النهاية، فإن واقعتى الأستاذين والطالبين ليستا مجرد، كلمات خارجة تم ترديدها وتلويث المسامع بها والإساءة إلى الحرم الجامعي، بل «سقطة» لا يمكن السكوت عنها ولا أن تمر مرور الكرام، فنجد أنفسنا فى هوة أو بئر أعمق لا نستطيع الخروج منها.