في إنجاز تاريخي يُعد الأول من نوعه، تأهل منتخب أوزبكستان الوطني لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم، ليُدخل البلاد رسميًا إلى مصاف كبار كرة القدم العالمية.
هذا الصعود لم يكن مفاجأة ، بل كان نتيجة لمسار طويل من التخطيط، والعمل المؤسسي، والتنمية الشاملة التي تشهدها أوزبكستان في مختلف القطاعات.
منذ استقلال أوزبكستان عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ظل حلم التأهل لكأس العالم لكرة القدم يراود الجماهير الأوزبكية. وعلى مدار ثلاثة عقود، اقترب المنتخب من التأهل أكثر من مرة، إلا أن الحظ لم يكن حليفًا له.
لكن هذه المرة، جاء التأهل تتويجًا لجهود استمرت سنوات، تخللتها إصلاحات جذرية في البنية التحتية للرياضة، وتغيير في فلسفة إعداد اللاعبين، إلى جانب تطور ملحوظ في أداء الفرق المحلية التى اصبحت تنافس على البطولات الاسيوية ومنتخبات الشباب والناشئين التى حققت نتائج مبهرة خلال السنوات الأخيرة.
وقد حسم منتخب أوزبكستان تأهله بعد أداء استثنائي في التصفيات، حيث تميز الفريق بروح جماعية عالية، وتنظيم دفاعي محكم، ومهارات فردية لافتة، خاصة من النجوم الصاعدين الذين تلقوا تدريباتهم في أكاديميات وطنية حديثة.
صعود منتخب أوزبكستان لمونديال أمريكا 2026 ثمرة لثورة رياضية شاملة انطلقت في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
فقد دشنت الحكومة الأوزبكية استراتيجية وطنية لتطوير الرياضة، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: تطوير البنية التحتية، الاستثمار في الكوادر البشرية، وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية وتم إنشاء عشرات الملاعب الحديثة في المدن الكبرى والصغرى، وتحديث المنشآت الرياضية وفق المعايير الدولية. كما تم تأسيس أكاديميات لكرة القدم بدعم من شركات دولية، لتعليم الأطفال والشباب أسس الاحتراف منذ الصغر.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة برامج لتأهيل المدربين والإداريين، بالتعاون مع اتحادات كروية عالمية، مما ساهم في نقل الخبرات وتطوير الكفاءات المحلية. وأصبح للاعب الأوزبكي اليوم فرصة للعب في أندية خارجية وابرزهم المدافع الواعد عبد القادر خوسانوف الذى انتقل الى مانشستر سيتى الانجليزى.

تأتي الطفرة الرياضية في أوزبكستان في سياق أشمل من الإصلاحات التي شملت مختلف مناحي الحياة، تحت قيادة الرئيس شوكت ميرضيائيف، الذي تولى الحكم في 2016 وأطلق مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي.
ركز ميرضيائيف على جعل الرياضة وسيلة لتعزيز الانتماء الوطني وبناء الشباب، وكذلك أداة لتقديم صورة إيجابية عن البلاد في المحافل الدولية. ومع ارتفاع نسب البطالة بين الشباب في مرحلة ما بعد الاستقلال، بات الاستثمار في الرياضة جزءًا من استراتيجية أوسع لتوظيف الطاقات الشابة في مسارات إيجابية.
كما أرتبطت الإصلاحات الرياضية بتحسين جودة التعليم والصحة، حيث تم دمج الأنشطة البدنية في المدارس وتوفير الرعاية الصحية للرياضيين الناشئين. هذه الخطوات ساهمت في خلق بيئة مشجعة للمواهب، وقاعدة جماهيرية داعمة، ما أدى في النهاية إلى رفع مستوى الأداء الرياضي على المستوى الوطني.
إن التقدم الرياضي في أوزبكستان لم يكن معزولًا عن النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة. فقد نجحت الحكومة في جذب استثمارات أجنبية واسعة، خاصة في قطاعات الصناعة والطاقة والسياحة، ما وفّر موارد مالية لتمويل المشاريع الرياضية.
وفي هذا السياق، تأسست شراكات بين الأندية الرياضية والقطاع الخاص، وتم تخصيص ميزانيات كبيرة لدعم المنتخبات الوطنية في مختلف الألعاب، خاصة كرة القدم. كما ساعدت حالة الاستقرار السياسي والأمني على تعزيز ثقة المستثمرين والاتحادات الدولية، ما فتح الباب أمام التعاون مع المؤسسات الرياضية الكبرى.
ويمكن القول أنه بعد التأهل التاريخي، أصبح الهدف القادم للمنتخب الأوزبكي هو الظهور المشرف في النهائيات، وتقديم أداء يليق بطموحات بلد يخطو خطوات واثقة نحو العالمية. وتحقيقًا لهذا الهدف، تم الإعلان عن برنامج إعداد طويل الأمد يتضمن معسكرات تدريبية في أوروبا، ومباريات ودية مع منتخبات كبرى، إضافة إلى دعم تقني من خبراء دوليين.
وفي الوقت نفسه، يُنتظر أن ينعكس هذا الإنجاز على باقي القطاعات، من خلال تعزيز السياحة الرياضية، ورفع اسم أوزبكستان في المحافل العالمية، وتشجيع الشباب على الانخراط في الرياضة، بما يعزز من قدرات المجتمع وينشر ثقافة العمل الجماعي والانضباط.
خاتمة القول أن أوزبكستان قلب آسيا الوسطى النابض تقدم نفسها كقوة صاعدة، لا فقط في ميادين الكرة، بل أيضًا في السياسة والاقتصاد والثقافة. وتأهلها إلى كأس العالم يختصر قصة بلد يعيد تشكيل هويته، وينطلق من ماضيه العريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا.