أعود بكم إلى الوراء.. سنوات وسنوات أيام كان وصول الكهرباء إلى القرى هو نوع من المعجزات.. أيام لم نكن نعرف عن فنون التسلية إلا ما يقوله شاعر الربابة من قصص وأشعار عن أبوزيد الهلالى وعنترة بن شداد.. أيام كانت حواديت «ستي» هى ما ننتظره كل مساء قبل أن ننام على ضوء القمر ونحن نراقب ونتابع ونحاول أن نعد النجوم فى السماء.
وفى هذه الأوقات كان يأتينا شهر رمضان.. وكنا لا نعرف إلا الصلاة والصيام.. ونغنى ونحن أطفال.. يا فاطر رمضان يا خاسر دينك..!! وكانت لحظة الإفطار هى أجمل لحظة.. وأجمل فرحة وأحلى «لمة».. وأروع إحساس.
ولأن «ستي» هى محور الأحداث والاهتمام.. ولأن الأطفال لا ينجذبون بشدة إلا إلى الجدة الحنون التى تطبطب وتدلع فإن أحاديثها عن ليلة القدر كانت دائماً مشوقة.. كانت تمنحنا خيالاً لذيذاً وأحلاماً وردية.. كنا ننتظر أن تتجلى لنا ليلة القدر فى صورة الدجاجة التى يمكن أن تبيض ذهباً، أو المغارة التى ستنشق وتظهر فجأة فى داخلها الذهب والياقوت والألماظ أو فى شكل من أشكال الثروة المفاجئة التى ستهبط علينا من السماء بغير حساب.
>>>
وكنا نتعامل مع ليلة القدر على أنها الخير.. الخير كله ولم نكن نستوعب معانيها كما نتفهمها الآن وكما جاءت فى كتاب الله المجيد «إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر» صدق الله العظيم.
فهذه الليلة المباركة هى إحدى ليالى العشر الأواخر من رمضان.. وهى ليلة قبول الأعمال والمغفرة والعتق من النار والعبادة فيها خير من ألف شهر وفيها تنزل الملائكة إلى الأرض يسلمون على المؤمنين الصائمين ويستغفرون لهم.. هى الليلة التى تعنى أن الدعاء مستجاب.. وأن ما فى قلوبنا من أمنيات سوف يتحقق، وما فى صحائفنا من سيئات فسوف يمحوها وما فى خطواتنا من اعوجاج فسوف يقومها وما فى الروح من خدوش فسوف يرحمها.
>>>
وفى هذه الليلة الموعودة فى ليلة القدر أسأل الله الذى بيده خزائن السموات والأرض أن يرزقكم رزقاً يكفيكم ويرضيكم ويغنيكم وأن تجدوا بركة فى حياتكم وفى أوقاتكم وفى ذرياتكم وكل شئونكم وأن يعطيكم عطاء لا ينفد ولا حدود له.
واللهم.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا، اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماض فى حكمك، عدل فى قضاؤك أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء حزننا وذهاب همنا.
>>>
وإذا كنا ندعو الله فى ليلة القدر أن يجعل فى قلوبنا نوراً وفى صدورنا نوراً وفى عقولنا نوراً فإن علينا أن نكون باب الأمل.. طاقة النور للآخرين.. علينا أن نكون بمثابة ليلة القدر لكل محتاج، لكل أم تبذل جهداً لتدبير احتياجات أبنائها، لكل أب يحاول ويجاهد فى سبيل الرزق الحلال.
لكل طالب علم يسعى ويعمل جاهداً لنيل العلم وخدمة أهله ومجتمعه.. علينا أن نكون عوناً للحكومة ولولاة الأمر منا فى جهودهم لنشر التكافل والكرامة بين الجميع.. علينا أن ندعم كل خطط مساعدة الطبقات الفقيرة والمتوسطة أيضاً وعلينا أن نكون خللاً وقوى كالجسد الواحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي، يقول الرسول الكريم فى ذلك مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي».
وعندما نتحدث عن ليلة القدر فى تعاملاتنا اليومية.. نتحدث عن الرحمة والمودة والإيثار والزكاة.. فلو سددنا جميعا زكاة المال لما كان فى بيوت المسلمين من يشكو فقراً أو جوعاً أو متاعب مع الحياة.
>>>
وفى حديثنا عن ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان والتى تشهد أيضاً حدثاً دنيوياً تاريخياً يتعلق بمستقبلنا، ببلدنا، بالأيام القادمة مع تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس لدورة رئاسية جديدة فإننا ندعو له بالتوفيق وأن تكلل أعماله بالنجاح وأن يحفظ الله مصرنا الغالية عزيزة مستقرة حرة أبية.. وأن نشهد أياماً هى الأفضل، هى الخير، هى نهاية المتاعب والمعاناة.. هى الانطلاقة الكبرى لمصر.. مصر العظيمة التى ستظل تمثل القيمة والمكانة.. مصر الإبداع وكتابة أجمل صفحات التاريخ.. مصر التى علمت البشرية كيف تكون الحضارة والخلود.. مصر التى هى الامتداد للعروبة.. وللحلم العربى الكبير فى أن نكون أمة ذات شأن وذات تأثير وأن نستعيد الأمجاد.. كل الأمجاد.. هذه هى ليلة القدر.. وهذا هو ما سيرزقنا الله به.. وهذا ما يجب أن نعمل ونسعى إليه.
>>>
وأخيراً:
>> اللهم لا بأس، ولا يأس، ولا إطغاء.
>>>
>> وإذا ما شككت فى مودة إنسان
فاسأل قلبك عنه.
>>>
>> وأسوأ ما يمكن أن يحدث لإنسان
أن يكون بلا عمل وبلا حب.