ما يرتكبه جيش الاحتلال الصهيونى فى غزة، خاصة فى الشمال من القطاع، ليس لمجرد الانتقام من المقاومة الفلسطينية، بعد طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر من العام الماضي، وليس فقط القضاء على ملامح ومظاهر وأسباب الحياة فيها.. ولكن الموضوع معقد الأهداف، لكنه ينجرف تحت عنوان تهجير سكان القطاع مرحلياً، تبدأ بشمال غزة وفقاً لخطة الجنرالات.
إسرائيل لا تريد فى قطاع غزة أى فلسطينى وتقضى على الحجر والبشر بكل وحشية وهمجية فى سحق وحرب إبادة كاملة، من أجل فصل الشمال عن القطاع وتحويله إلى منطقة عسكرية عازلة لا يُسمح بالدخول إليها أو الخروج منها إلا قتلى أو جثثاً تحت مسمى الموت أو الاستسلام لعناصر المقاومة، ووصل الأمر إلى قصف الخيام والمستشفيات بالطائرات والمدفعية والحصار والتجويع وعدم السماح بدخول أى مساعدات أو غذاء أو حياة أو أدوية، ودخل الحصار المطبق على الشمال، خاصة جباليا الأسبوع الرابع دون دخول أى نوع من المساعدات.
ليس جديداً أن نقول إن أهداف اسرائيل باتت أكثر وضوحاً فى خضم العدوان والجرائم والمجازر والمذابح والإبادة منذ أكثر من عام، يبقى التهجير وإخلاء غزة من سكانها وإجبارهم بمختلف الوسائل غير الإنسانية والوحشية على النزوح إلى الجنوب، ودفعهم إلى الضغط على دول الجوار مثل مصر، ثم فى مرحلة تالية الأردن.. لكنها فشلت بسبب قوة وشموخ الموقف المصرى الحاسم، الذى رفض بشكل واضح محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين وإخلاء القطاع أو مجرد التفكير فى توطينهم فى سيناء على حساب الأمن القومى المصرى الذى هو خط أحمر لا تهاون ولا تفريط فى حمايته.. ورد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كشفه مبكراً منذ الساعات الأولى بعد العدوان الاسرائيلى أن ذلك لن يحدث، وأن مصر دولة ذات سيادة لا يمكن أن تسمح بانتهاكها.
جرائم جيش الاحتلال الوحشية، تكشف بوضوح الأهداف ومخطط اسرائيل الكبرى أكبر أوهام الصهاينة وزعمهم بأن اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، طبقاً لما يدعونه بأنه تعاليم أو وعود توراتية، وهناك يهود يرفضون هذا الصراع، لكنهم يعيشون فى دول الغرب ولا يؤمنون أصلاً بوجود اسرائيل.
الأمر لا يتوقف عند قناعات ومزاعم توراتية يروجها الصهاينة ويعملون على تنفيذها على أرض الواقع، تبدأ من الاحتلال والسيطرة على كامل الأراضى الفلسطينية والقضاء على قضية الدولة الفلسطينية، تبدأ من إخلاء قطاع غزة وتهجير أهلها وسكانها وتحويله إلى منطقة عسكرية لا وجود فيها لأى فلسطيني، وبدأت بالفعل مرحلياً فى فصل شمالها عن جنوب القطاع عبر نتساريم من الشرق إلى الغرب، وتتجلى ملامحه فى حرب الإبادة الكاملة على شمال غزة.. لكن السؤال أيضا: هل يقتصر الأمر على مزاعم وادعاءات وأوهام توراتية تعنى إقامة اسرائيل الكبري؟!، أم أن هناك أحداثاً سياسية وعسكرية واقتصادية وتغييراً جذرياً فى جغرافية المنطقة تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد وقلب المعادلة فى هذه المنطقة وهو ما تحدثت عنه كونداليزا رايس من قبل وسعت قوى الشر لتنفيذه فى 2011 وما تلاها.
الحقيقة، أن المشروع الشيطانى الذى تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية بكل أنواع الدعم لإسرائيل التى تمثل الواجهة، والمؤكد أيضا أن أمريكا وحلفاءها تخوض الحرب إلى جانب اسرائيل على مدار أكثر من عام وليس مجرد دعم عسكرى ومالى وسياسى ودبلوماسى واستخباراتي، بل قيادة المعارك والمشاركة فيها على أرض الواقع وحماية اسرائيل من خلال الأساطيل وحاملات الطائرات والمدمرات والغواصات والمقاتلات الشبحية، التى توجد فى البحرين الأحمر والمتوسط.
هناك مشروع كبير يسعى الأمريكان والصهاينة إلى تنفيذه وتمريره فى إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد، وأيضا فى إطار الصراع الدامى بين القوى الكبرى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر، أو قل الصراع على سدة النظام العالمى فى محاولة للاحتفاظ به أو تغييره.. لذلك فإن حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال فى شمال غزة وفى كامل القطاع، لها أهداف أخرى غير التهجير والتوطين واسرائيل الكبري، وهو ضرب المصالح والمشروعات الصينية فى المنطقة، خاصة طريق الحرير.. من هنا تريد اسرائيل شق قناة «بن جوريون» ينتهى العمل منها – على حد زعمهم – 2030- ولن يتوقف الأمر على قطاع غزة، بل سوف يمتد إلى الضفة الغربية، وكذلك لبنان وسوريا مرحلياً وتدريجياً.
والآن نحن أمام محاولات لتفجير المنطقة، ولن يتوقف الأمريكان ونتنياهو عن العدوان، وليس هناك فصل بين أهداف واشنطن وتل أبيب لصياغة شرق أوسط جديد يضمن الهيمنة والنفوذ، وأن تكون اسرائيل ورعاتها القوة المسيطرة على المنطقة وقطع الطريق أمام طموحات التنين الصينى والدب الروسي، وكل من يحاولون تغيير النظام العالمى الحالى والحفاظ على هيمنة الدولار وإجهاض المشروعات والمصالح الصينية فى المنطقة، وأيضاً تبقى مصر هى الهدف والجائزة الكبري.. فكل ما يجرى فى المنطقة ومحاولات تفجيرها وإشعالها، لاستدراج مصر وأيضا حصارها والإضرار بمصالحها كما حدث فى توتر وإشعال البحر الأحمر، وهو ما أضر بقناة السويس، بل قوى الشر تسعى لحرمان مصر من موارد قناة السويس ومياه النيل فى مؤامرة شيطانية على أرض الكنانة، لكنها عصية وأدركت ذلك مبكراً من خلال تحريض أدوات المؤامرة على الابتزاز وتهديد المصالح المصرية ومواردها الوجودية.
لا تتوقع أن تتوقف جرائم جيش الاحتلال أو أن يتخلى نتنياهو عن مغامراته وجنونه.. فلا ينتظر العالم أو الدول العربية، أى دعم إنسانى أو رحمة أو جهود صادقة لإيقاف الجرائم وحرب الإبادة الاسرائيلية من أمريكا.. فما يروجونه من أكاذيب ومزاعم ومتاجرات بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والقوانين الإنسانية والأممية والدولية، ما هى إلا مجرد وسائل لخداع وتضليل الضعفاء فى هذا العالم.. فحقوق الإنسان تطبق على مناطق بعينها تحظى بالرعاية وجزء من المؤامرة أو من أدواتها، ولا تنطبق على مناطق أخرى مُستهدفة أو مناوئة أو ترفض الخضوع.. لذلك تتحول حقوق الإنسان إلى وسائل للابتزاز وممارسة الضغوط.
ما يدور فى المنطقة كبير وخطير ولن يتوقف الآن، وربما ليس قبل عام آخر وقابل للتوسع وكل الاحتمالات واردة والتساؤلات مفتوحة، لأن هناك أهدافاً شيطانية تقودها قوى الشر بقيادة أمريكا والصهيونية يراد تنفيذها تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإخلاء الأراضى الفلسطينية بكافة وسائل الإبادة والنزوح والتوطين فى سيناء والأردن والتوسع على حساب لبنان وسوريا.. لكن كل ذلك سوف يتحطم على الصخرة المصرية، التى أعدت العدة والعتاد وتجهزت بأعلى وأحدث ما يكون، ولديها قائد عظيم استشرف المستقبل وأدرك مبكراً ما يستهدف مصر وما هو قادم.. وعلينا جميعاً أن ندارك أن الموضوع كبير، والمؤامرة مستمرة وشرسة والمخطط مدعوم أمريكياً وغربياً، وما إسرائيل إلا واجهة.. وهو ما يستلزم أن نكون على درجة من الوعى والفهم والاصطفاف، وندرك أن ما نواجهه من صعوبات هى معاناة وأزمات عابرة، تفرضها تداعيات الواقع الإقليمي، وأيضا تفرضها ضرورات التهجير والاستعداد بعمل حساب كل شيء وامتلاك احتياطى إستراتيجى من كل شيء تحسباً لاشتعال المنطقة أو تفرض علينا أمور لم نسع إليها.. المهم والأهم معاً هو اصطفافنا ووعينا، وأن نكون على قلب رجل واحد، وألا نسمح لأحد بأن يزيف وعينا ولا نعطى عقولنا أو آذاننا لأعدائنا، وأن نقف خلف هذا الوطن وقيادته الوطنية المخلصة الشريفة الاستثنائية التى عملت حساباً لكل شيء واستعدت جيداً وامتلكت بشكل عاجل القوة والقدرة الشاملة.. وسيعرف المصريون عظمة هذه القيادة سواء قريباً أو حتى بعد سنوات أو حتى بعد عقود.